الألبسة بين فيروس كورونا وفيروس الأسعار
الكساء حاجة أساسية للإنسان، ورغم تفنن البعض بألوانه وأنواعه، وتوقفهم عند نوع القماش، ونوع الخياطة والزركشة، فإن كثيرين يرون أن قطعة اللباس ما هي إلا سترة، بل ويقولون: سنشتري سترة، ويبحثون عن أيسرها سعراً، غير آبهين بتفنن الآخرين وآرائهم.
أذكر منذ أربعين عاماً كنت خارج القطر ودخلت متجراً لشراء قطعة قماش، وعندما علم التاجر أنني سوري قال لي: أهلا بك في متجري، فأنا أتحيّن الفرصة التي تسنح لي بزيارة سورية لشراء قطعة قماش سورية!.
لعقود مضت تعددت شركات الغزل والنسيج السورية العائدة للدولة، ومن ثم شركات تصنيع الألبسة، وتوسّع حضور القطاع الخاص لاحقاً، ما جعل أسعار النسيج السوري والألبسة الجاهزة وأجرة الخياطة مقبولة للمستهلك الداخلي والخارجي، لكن تعثُّر أو توقف العديد من شركات النسيج والتصنيع العامة، وارتفاع أجور الخياطة، وغزو النسيج والألبسة الأجنبية، تسببت بارتفاع أسعار النسيج واللباس بشكل كبير، ما أدى لتسرب متزايد للأقمشة والألبسة الأجنبية، وخاصة الألبسة المستعملة /المعروفة بالبالة/ القادمة من خارج الحدود استيراداً أو تهريباً، والتي لاقت رواجاً كبيراً في جميع المحافظات، وعند معظم الشرائح الاجتماعية، وللجنسين، ومن مختلف الأعمار، ولم يقتصر انتشار المتاجرة بها على بعض أحياء المدن، بل عم انتشارها في كثير من الأحياء، بل وفي كثير من القرى الريفية.
الحاجة ماسة للألبسة الجديدة المسوقة داخلياً وخارجياً في ظل أزمة فيروس كورونا، لما فيه مصلحة المنتجين والتجار، وأيضاً للمستهلكين الذين توقفوا ملياً وبحذر من الألبسة القادمة من الخارج، وخاصة المستعملة، كما أن تجار دول الجوار يتجهون حالياً نحو منتجات الألبسة السورية في هذه المرحلة بالذات، خاصة بعد أن أحجموا عن استيرادها من الصين وتركيا وغيرهما من الدول التي سجل فيها كورونا إصابات عالية، وبغية استثمار هذا الظرف العالمي لتعزيز صناعة الألبسة، طالبت غرف الصناعة السورية، وغرفة تجارة دمشق، بافتتاح محلات الألبسة والأقمشة، وإلزامها بالإجراءات الصحية الواجبة قبل أن تفلس الصناعة النسيجية بكامل حلقاتها ويصبح عشرات الآلاف بلا عمل، وبلا دخل، وبلا مستقبل!
من المؤكد أن كل ما ينطبق على الألبسة ينطبق على الأحذية فيما يخص الكثير من الإنتاج المحلي المسوق داخلياً وخارجياً، والأجنبي المستورد، وخاصة الأحذية المستعملة /البالة/، ومن المؤكد أن شريحة مستهلكي الألبسة والأحذية الأجنبية الجديدة ستمكنهم دخولهم العالية من استهلاك ما يماثلها من المنتج السوري الجديد الذي هو على الأغلب يكافئ في جودته وأناقته المستورد، وخاصة أنه سيكون بأقل سعر، ولكننا سنكون هنا أمام حالة جديرة بالتوقف عندها، وهي شريحة تجار ومستهلكي ألبسة البالة، فلدى تجارها الكبار والصغار مخزون غير قليل قبل أزمة فيروس كورونا، وسيجدون معارضة حكومية كبرى في الاستيراد أو التهريب مجدداً، علما أنه قد يحصل ذلك، ولكن سواء حصل أم لم يحصل فسيكون المستهلك حذراً من شراء ما هو معروض شكاً وخوفاً، وبالتالي فهل تخطط سلطاتنا الرسمية لضمان توفر إنتاج محلي جديد وجيد وبأسعار مقبولة تغني الحاجة عن البالة؟
ويبقى السؤال: من هي الجهات المعنية التي عليها أن تعمل لتحقيق التوازن بين مصلحة المنتج السوري والمستهلك السوري، وتحجيم الأرباح الكبيرة للوسيط بينهما، والمؤكد أنها عالية جداً، بالجملة والمفرق، بدليل التهافت الكبير على العمل التجاري؟
عبد اللطيف عباس شعبان / عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية