تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد الأمريكي..
عناية ناصر
بعدما تأكدت وفاة أكثر من 50.000 مواطن أمريكي، أصبح تأثير الفيروس التاجي COVID-19 في المدن الأمريكية أكثر إيلاماً على الاقتصاد الأمريكي، خاصةً مع هبوط سوق الأسهم إلى الربع عن ذروتها في شهر شباط الماضي مبدّدة ثلاث سنوات من المكاسب، وتسجيل أكثر من 3.28 ملايين أمريكي طلبات للحصول على إعانات البطالة، وهو أعلى رقم يتمّ تسجيله على الإطلاق منذ ركود عام 2008، فما هي المدة التي يحتمل أن يستمر فيها التراجع الناجم عن تأثيرCOVID-19؟.
لفهم تأثير COVID-19 على الاقتصاد، يمكن ملاحظة ذلك من خلال تأثيره على الصناعات المختلفة التالية:
- يشكل الاستهلاك 70٪ من الناتج المحلي الإجمالي لأميركا، لكن الاستهلاك انخفض مع إغلاق الشركات، ومع إيقاف الأسر لعمليات الشراء الرئيسية نتيجة مخاوفها بشأن مواردها المالية ووظائفها.
- يشكل الاستثمار 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي، لكن الشركات تؤجل الاستثمار لأنها تنتظر الوضوح بشأن التكلفة الكاملة لـ COVID-19.
- يشكل الترفيه والاستجمام والمطاعم 4.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي، ومع إغلاق المطاعم ودور السينما يصبح هذا الرقم أقرب إلى الصفر حتى يتمّ رفع الحجر الصحي.
- يشكل التصنيع 11٪ من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، ولكن الكثير من هذا سيتعطل أيضاً، لأن سلاسل التوريد العالمية تعطلت بسبب إغلاق المصانع، ولأن الشركات تغلق المصانع تحسباً لانخفاض الطلب، وقد أعلنت شركتا فورد وجنرال موتورز، على سبيل المثال، عن إغلاق مؤقت لمصانع السيارات.
ومع تكبد الشركات خسائر بسبب عمليات الإغلاق، قامت بعمليات التسريح من العمل، بينما قامت الشركات الصغيرة بإبقاء الموظفين على جدول الرواتب مع انخفاض إيراداتها. على سبيل المثال، تتخذ دول مثل ألمانيا خطوات لمساعدة الشركات على تجنّب تسريح العمال، وسيكون من الحكمة أن تفعل الولايات المتحدة ذلك أيضاً. وبالفعل أقرّ الكونغرس الأمريكي مشروع قانون تحفيزي ينصّ على صرف مئات المليارات من الدولارات، وتوسيع التأمين ضد البطالة، وتوفير معونات نقدية للأميركيين ذوي الدخل المنخفض والمتوسط، الأمر الذي من شأنه أن يساعد العمال المسرّحين على تغطية نفقاتهم حتى يبدأ الاقتصاد بالتعافي، كما ينصّ التشريع على تخصيص 350 مليار دولار على شكل “قروض” للشركات تستهدف الشركات التي يعمل فيها أقل من 500 موظف، كما سيتمّ إسقاط هذه القروض إذا لم تقم الشركات بخفض الأجور أو تسريح الموظفين، لذا فهي تعمل في الوضع الحالي كمقدم منح للشركات.
والسؤال: الآن إلى أي مدى يعتبر الاقتصاد متعافياً؟ يعتمد ذلك جزئياً على الوقت الذي يمكن فيه إبطاء انتشار الفيروس وإعادة فتح الأنشطة التجارية، لكن هذا يبدو غير مرجح بالنظر إلى تطور الفيروس في ولايات كثيرة، وبسبب إغلاق ولايات مثل نيويورك. لذلك من السذاجة الاعتقاد بأن هذه هي النقطة التي ستعود بها الحياة إلى طبيعتها.
لقد احتاجت إيطاليا شهراً لتقليل معدل الوفيات بسبب العدوى، على الرغم من إجراءات الحجر الصحي الصارمة. ولنفترض أن المدن الأمريكية الكبرى ستخرج من إغلاقها في وقت لاحق من هذا الربيع، فإذا حدث هذا فهل سيستمر الاقتصاد من حيث توقف؟.
إن أحد المخاطر الرئيسية هو عدد الشركات التي اضطرت إلى الإغلاق خلال عمليات الحجر، ما يعني أنه كلما ازداد إغلاق الأعمال وحالات التسريح من العمل الناجمة عن الإغلاق، كانت تكلفة الأزمة أكبر، وكلما ارتفعت البطالة قلّ احتمال التعافي على الفور بعد انتهاء عمليات الإغلاق.
من هنا فإن الخطر الرئيسي على الاقتصاد هو أن تترافق الأزمة الصحية مع أزمة مالية، ومن المرجح أن يكون التأثير السلبي المباشر لـ COVID-19 على الناتج المحلي الإجمالي أكبر بكثير مما كانت عليه أزمة الرهن العقاري 2008، ما يعني أن طول المدة التي ستخيّم فيها أزمة COVID-19 على الاقتصاد ستتحدّد بتأثيراته المالية.
من السهل تخيّل طرق يمكن فيها أن يكون لأزمة COVID-19 تأثير مالي مماثل، فقد تتخلف الشركات والمستهلكون على حدّ سواء عن سداد القروض، وتتوقع الأسواق المالية أن يرتفع معدل التخلف عن السداد للشركات الكبيرة أيضاً، لكن البنوك الأمريكية تتمتع اليوم برسملة أفضل مما كانت عليه في عام 2008، لذلك لديها المزيد من الوسائط لتحمّل الخسائر. ومع ذلك، ومع تراكم الخسائر، قد تكون هناك حاجة إلى دعم الحكومة لأسواق الائتمان مرة أخرى.
قد لا توجد عوامل عائقة أخرى، ولكن كلما استمرت عمليات الإغلاق لفترة أطول، قلّ احتمال حدوث انتعاش سريع. ويبقى الأمر الأكثر إثارة للقلق، تأخر بعض حكومات الولايات والحكومات المحلية، التي لم تبدأ إلا متأخرة في أخذ المخاطر على محمل الجد، مما أدى إلى زيادة احتمال انتشار الفيروس التاجي بشكل أكبر، وهو ما يتطلّب عمليات إغلاق أطول للسيطرة عليه.