بالأرقام.. مبيعات الأسلحة تؤجج الحرب على اليمن
د. معن منيف سليمان
أسهمت الأسلحة المتدفقة من الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية في إطالة أمد الحرب باليمن، المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات، وتسببت بدمار هائل وسقوط آلاف الضحايا من المدنيين، ومنذ نشوب النزاع قدمت مجموعة من الدول معدات عسكرية وأسلحة بمختلف أنواعها إلى قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات تزيد قيمتها عن مليارات الدولارات، حيث انتقد تقرير أصدره فريق الخبراء الأممي المعني برصد انتهاكات حقوق الإنسان باليمن الدول والأطراف التي تبيع الأسلحة، وهو ما عُد استمراراً لتأجيج الحرب في اليمن لبيع مزيد من الأسلحة.
الولايات المتحدة
أبرمت الولايات المتحدة صفقات لا تقل قيمتها عن 68.2 مليار دولار لتوريد أسلحة نارية وقنابل وأنظمة أسلحة، وتقديم التدريب العسكري مع السعودية والإمارات، منذ بداية حربهما في اليمن، وبحسب موقع “ميدل ايست آي” البريطاني، يشمل هذا المبلغ الهائل، للمرة الأولى، صفقات أسلحة تجارية وحكومية، ويشير إلى أن تورط واشنطن في هذه الحرب الكارثية قد يكون أكبر من المتوقع، ومن خلال جمع الأرقام من الصفقات الحكومية والتجارية فإن الأرقام الإجمالية تظهر أن أمريكا قد وافقت على أسلحة وتدريب إلى السعودية تزيد قيمتها عن 54.1 مليار دولار، وما تفوق قيمته 14 مليار دولار إلى الإمارات، منذ دخول التحالف في الحرب، وتعدّ أمريكا طرفاً في النزاع، وقد تكون متواطئة في هجمات التحالف غير القانونية التي تشارك بها، وقد أمّنت تزويد الطائرات بالوقود في الجو، وغير ذلك من الدعم اللوجستي لقوات التحالف، ولكنها لم تقدم معلومات تفصيلية عن مدى ونطاق مشاركتها، ثم ما لبثت أن أعلنت عن إيقاف تزويد طائرات التحالف بالوقود في الجو.
فرنسا
أما بالنسبة لفرنسا فقد صدرت في شهر نيسان عام 2019 مذكرة عن مديرية الاستخبارات العسكرية الفرنسية، وحصلت عليها مجلة “ديسكلوز” الاستقصائية الجديدة، وهي تظهر أن أسلحة فرنسية تُستخدم على الأراضي اليمنية من جانب الرياض وأبوظبي، ففي شهر تشرين الثاني عام 2018، كانت الدبابات الفرنسية في قلب معركة الحُديدة التي أوقعت 55 شهيداً مدنياً بحسب منظمة “أكليد” غير الحكومية الأمريكية، وفق معلومات مجلة “ديسكلوز” التي طابقت المذكرة الاستخبارية مع صور ملتقطة عبر الأقمار الاصطناعية وتسجيلات مصورة، وفي الجو، جاء في المذكرة أن طائرات ميراج 2000ـ9 تعمل في اليمن، أما جهاز توجيه الغارات الفرنسي “ديموكليس” (تاليس)، فقد يكون مستخدماً في هذا النزاع أيضاً، بحسب مديرية الاستخبارات العسكرية الفرنسية، وفي البحر، أظهرت المذكرة أن سفينتين فرنسيتي الصنع تشاركان في الحصار البحري الذي يعيق تموين السكان بالمواد الأساسية اللازمة، وتسهم إحداهما في مؤازرة العمليات البرية على الأراضي اليمنية.
بريطانيا
تشير التقارير الصحفية إلى أن صادرات الأسلحة البريطانية للسعودية تقدّر بنحو خمسة مليارات دولار، منذ بداية حربها في اليمن التي حصدت أرواح آلاف المدنيين في مختلف أنحاء البلاد، وأضاف تقرير لصحيفة “اندبندنت” البريطانية، في 22 تموز 2019، أن هناك أدلة بحوزة منظمات حقوقية تؤكد وجود قنابل بريطانية الصنع في مسرح جرائم الحرب التي ارتكبتها السعودية بحق المدنيين في اليمن، وتقول صحيفة “اوبزيرفر” في تقرير لها في 8 أيلول 2019: إن لندن حصلت على عائدات من تجارة السلاح إلى السعودية ودول التحالف الأخرى في الحرب على اليمن ثمانية أضعاف ما أنفقته لمساعدة المدنيين اليمنيين الذين وجدوا أنفسهم وسط الحرب، ووصفت الصحيفة، نقلاً عن ناشطين، نهج بريطانيا هذا القائم على زيادة صفقات السلاح وتقديم المساعدات الرمزية بأنه “غير متناسق”.
وعلى الرغم من توفر أدلة دامغة على أن هذه الأسلحة تُستخدم في ارتكاب جرائم حرب، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة في اليمن، فإن دولاً مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا، وغيرها من البلدان الأوروبية لاتزال تزود قوات التحالف بالأسلحة، في انتهاك لالتزاماتها الدولية، ومنها معاهدة الحد من الأسلحة، بالإضافة إلى قوانين الاتحاد الأوروبي والقوانين الوطنية، وقد أبرز تحقيق مفتوح أجرته منظمة العفو الدولية الخطر المتنامي في نزاع اليمن، لأن الإمارات تسلّح الميليشيات بكم من الأسلحة المتطورة بشكل متهوّر، ويُظهر التحقيق كيف أصبحت الإمارات قناة رئيسة لتوصيل العربات المدرّعة وأنظمة الهاون والبنادق والمسدسات والرشاشات التي يتم تحويلها سراً إلى ميليشيات لا تخضع للمساءلة، ومتّهمة بارتكاب جرائم حرب، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة.
وكانت منظمة العفو الدولية حثّت جميع الدول على عدم تزويد أي طرف من أطراف النزاع في اليمن- سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة- بالأسلحة أو الذخائر أو المعدات العسكرية أو التكنولوجيا التي يمكن استخدامها في النزاع إلا بعد أن تضع حداً لمثل تلك الانتهاكات الخطيرة، وهذا ينطبق أيضاً على الدعم اللوجستي والمالي لمثل عمليات النقل تلك، ولم توقف عمليات بيع ونقل الأسلحة إلى السعودية والإمارات، وغيرهما من الدول الأعضاء في التحالف، سوى عدد من الدول الأوروبية كهولندا والنرويج والدانمرك وفنلندا وسويسرا.
ومع استمرار الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها في بيع الذخائر والأسلحة الأخرى إلى السعودية ودول التحالف الأخرى، طعن عدد من المشرّعين الأمريكيين والبريطانيين في استمرار حكوماتهم بهذه المبيعات، حيث تواجه مبيعات الأسلحة البريطانية للسعودية دعوى قضائية مستمرة.
ودعا البرلمان الأوروبي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى تعليق مبيعات الأسلحة إلى السعودية بسبب سلوكها في اليمن، وشجب جرائم الحرب التي ارتكبها التحالف، ودعا إلى فرض عقوبات على المسؤولين عن عرقلة المساعدات الإنسانية.
ورغم وقوف مشرّعين أمريكيين ضد بيع أسلحة للسعودية والإمارات، فإن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” استخدم في تموز 2019 حق النقض “الفيتو” ضد كل القرارات التي اتخذها مجلسا النواب والشيوخ الأمريكيان، ورفض اتهام الرياض وأبوظبي بارتكاب جرائم باليمن.
وجاء الحظر الألماني الذي أقرته حكومة “أنجيلا ميركل” في تشرين الأول 2019، وسط غضب شديد بسبب التدخل الذي قادته السعودية في اليمن، وقد أشاد نشطاء حقوق الإنسان بألمانيا كونها مثالاً يحتذى به على المستوى الدولي في ذلك الوقت، إذ إن خطوة ألمانيا بوقف جميع صادرات معدات الأسلحة إلى ثاني أكبر مستهلك لها، السعودية، قد يكون له تأثير كبير على صادرات معدات الأسلحة إلى السعودية من دول أوروبية أخرى.
إن الدولة الغربية المصنّعة للسلاح حريصة على تأجيج الحرب في اليمن، لأنها تدر على تلك الدول ما تحتاجه من أموال مقابل بيعها السلاح لإنعاش اقتصادياتها، الأمر الذي يوفر غطاء دبلوماسياً لاستمرار الحرب في اليمن، وفي المقابل أنفقت السعودية عشرات المليارات من الدولارات لدفع ثمن أسلحة الحرب والمرتزقة، ولو استثمرت الرياض نصف ما أنفقته على الحرب في مشاريع تعليمية وزراعية يمنية لكان ذلك أجدى وأنفع لليمن.