الكتابة في المواجهة
تجتاح كورونا العالم الآن وترسم معالم قاسية جديدة من كساد وغلاء يضاف إلى ذلك مارسمته اللمسات الخبيثة في الفتك والتدمير بآلات عدوانية لهذا الكوكب، كما يمكن التوصيف بأن القاتل الميت ألزم الناس بيوتها وعطل اقتصاد دول كبيرة وبأن الحرب تدور بين هذا الميت وبين العلم والحضارة المدججة بالسلاح، ولا خيار للمحجورين في بيوتهم إلا قراءة ما تبثه قنوات التواصل والإعلام الحديث والتعامل مع الشائعات بمستويات مختلفة، إلا أن البعض لم يجد إلا الكتابة والفن سبيلا لفك عزلته والانتصار على هذا الرعب الذي سيختفي يوما ما إما أن يهزم أو يقتل فذلك ما لا يجرؤ أحد على توقع حدوثه، وهذا الكائن اللامرئي لا بطولة في قتله لأنه ميت، قيامته هي فكرة تشير إلى أن المعادلة البشرية لا تزال في جزء عظيم منها تخضع لقوى خفية، وما حدث كشف عن أن ضعفنا لا يزال قابلا للفتك بنا في أي لحظة، كان صادما أن نتعرف على أنفسنا باعتبارنا كائنات على درجة كبيرة من الهشاشة.
“أنا سجين الكتابة” ذلك خبر غير سار لكورونا.. هكذا يتفاءل الناقد التشكيلي فاروق يوسف حيث كتب: “سيكون علي أن أفكر باعتباري أحد الناجين من الكارثة في ما سيكون علي أن أفعله في انتظار النهاية، ستكتب يوميات من نجا ولكن لا أحد يعرف من الذي سيكتبها، أنا سجين الكتابة ذلك خبر غير سار لكورونا، لم ينتصر علي منذ أكثر من ثلاثين سنة وأنا أعيش في عزلة الكتابة، ذلك ما توافقت روحي مع جسدي عليه، الكتابة اسم آخر للعزلة ولكن عزلة كورونا هي إلهام أيضا، وأسئلة المصير تدفع بنا إلى أن نتخطى ذواتنا، البشرية كلها تقيم في كتاب واحد ذلك الكتاب يخط كل واحد منا سطره الخاص فيه، ربما سيشعر من نجوا بأنهم محظوظين بالتجربة، ذلك ما يدفعني إلى التفاؤل حيث ستضع البشرية يدها على أخطائها ومواقع ضعفها وأسباب خيانتها وتخاذلها وتجليات كذبها وستكون أشد نزاهة وأكثر طهرا، كم نحتاج إلى أن نكون نزيهين ونحن نكتب.. في عزلة كورونا تعيد الكتابة النظر في تقنياتها التي لن تخطئ هذه المرة طريقها إلى الإنسان لتنقب في بشرة جلده بحثا عن تلك اللحظة التي ينطبق فيها منقار عصفور جائع على صرخة ألم تطلقها نجمة عابرة، لقد تغيرت المفاهيم كلها ما من شيء في مكانه لا شيء انتصر على شيء ، كثرة الإنتاج لم تعد نافعة والاستهلاك كشف دونيته فيما استعاد المجتمع ثقته بعبقرية أبنائه المتعلمين.. أكتب اليوم بروح جديدة وأنا على يقين من أن البشرية تقف على أعتاب عصر جديد، عصر تنبذ فيه الحروب وتركن فيه العقائد بخرافاتها جانبا، إنه العصر الذي يعيد للكتابة مجدها.. لقد اهتدت البشرية إلى أجمل ما في تقنياتها على المستوى الاجتماعي من الفرد المسلح بقوة الحلم الجماعي الذي لا يمكن التعبير عنه إلا من خلال العمل, لقد صار على البشرية أن تختبر المبادئ باعتبارها دافعا للعمل، لذلك فقد استعاد الموت صفته باعتباره كذبة وفي عزلة كورونا صارت الحياة في حد ذاتها هدفا.
أكسم طلاع