دراساتصحيفة البعث

عجرفة القوى الصهيونية في أمريكا تتجاوز حدود كورونا

ترجمة وإعداد: علاء العطار

 

هناك قصتان حديثتان تتحدثان عن عجرفة الجالية الصهيونية في الولايات المتحدة، تتمحور الأولى حول اللوبي الصهيوني في واشنطن، وتتعلق الثانية بمستشفى في مدينة نيويورك، إذ لوحظ في كثير من الأحيان أن بعض “اليهود” المقتنعين بآراء آلان ديرشوفيتس يتباهون بمدى قوة اليهود الصهاينة في الولايات المتحدة، وعندما يحتج أحد على مفاخرتهم سيجادلونه بأن “صهينة” الثقافة الأمريكية وسياستها لطالما كانت أمراً جيداً، فقد حملت معها قيماً ليبرالية أفادت الأقليات الأخرى على وجه الخصوص، لكن السؤال الذي لم يُطرح هو: ما المقابل الذي يتلقونه كتعويض على ذلك؟ إذ يُكافئ الصهاينة أنفسهم على “صلاحهم” عبر توزيع المناصب العليا في المجالات البارزة ذات الأجور العالية.

وفي الآونة الأخيرة عزز دونالد ترامب المصالح الصهيونية، ونجح في وأد الانتقادات الموجهة لإسرائيل، وأحدث مثال على التباهي بالسلطة الصهيونية في الولايات المتحدة يعود إلى جماعة تسمى “الأغلبية الديمقراطية لأجل إسرائيل”، وهي لجنة عمل سياسي مسجلة تمارس الضغط بالنيابة عن الكيان الصهيوني، ونظّمها في عام 2019 نشطاء في الحزب الديمقراطي الأمريكي لمواجهة ما تصوروا أنه مشاعر مؤيدة للقضية الفلسطينية داخل الجناح التقدمي للحزب.

وفي عام 2016 جنّب الحزب الديمقراطي إسرائيل رصاصة موجهة إليها عبر مناورة دنيئة تضمنت منع التصويت على منصة مقترحة كانت ستعبّر عن دعمها للدولة الفلسطينية، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن نصف الديمقراطيين الذين كانوا على علم بحركة مقاطعة وتعرية وفرض العقوبات على إسرائيل يوافقون عليها، وكان تجريم هذه الحركة هدفاً رئيسياً للجماعات الصهيونية في الولايات المتحدة، من ضمنها آيباك، والأغلبية الديمقراطية لأجل إسرائيل.

اختارت “الأغلبية الديمقراطية لأجل إسرائيل” مطاردة السيناتور بيرني ساندرز الذي أكد أكثر من غيره من المرشّحين للرئاسة على معاناة الفلسطينيين، واقترح قطع الأموال عن إسرائيل إلى أن تُحسن سلوكها، وبعد انسحاب ساندرز من السباق الانتخابي، أرسل مارك ميلمان، رئيس “الأغلبية الديمقراطية لأجل إسرائيل” رسالة عبر البريد الالكتروني إلى أنصاره معرباً عن سعادته بهذه النتيجة، كما حصد بعض الفضل على نتيجة تعليق بيرني ساندرز حملته الرئاسية، وقال: “إن هذا لانتصار كبير، انتصار ساعدتموني على تحقيقه”.

كما نبّه ميلمان زملاءه بأن هذا الانتصار ليس سوى خطوة أولى للتأكد من أن برنامج الحزب الديمقراطي لايزال مؤيداً لإسرائيل، إذ كتب بأن “الجماعات المتطرفة المنحازة لساندرز، إلى جانب البعض من أفضل بُدلائه- بمن فيهم عضو الكونغرس رشيدة طالب، وإلهان عمر-  إذ تم التصريح علانية عن بذل جهد لإقامة منصة مناهضة لإسرائيل، وباعتباري سياسياً محنكاً، أقول لكم إنه إذا اعتمد الديمقراطيون منصة مناهضة لإسرائيل هذا العام، ستتحول مفردات وآراء وأصوات السياسيين ضدنا بشكل كبير، لذا لا يمكننا ببساطة أن نخسر هذه المعركة”.

يُذكرنا سحق الجماعات الصهيونية داخل الحزب الديمقراطي لبيرني ساندرز بما فعلته جماعات مؤيدة لإسرائيل بجيرمي كوربين في بريطانيا، في الواقع، يعترف ميلمان أنه تدخل بالعملية الانتخابية للحزب الديمقراطي نيابة عن دولة أجنبية، لكن الأمر لم يزعج أحداً في وسائل الإعلام الرئيسية، كما لم تطالب وزارة الخزانة الأمريكية ميلمان بالتسجيل بموجب شروط  قانون تسجيل العملاء الأجانب لعام 1938، في الحقيقة، لم يُطلب من أية منظمة مؤيدة لإسرائيل التسجيل بموجب هذا القانون بالرغم من أنها واضحة للعيان ومكشوفة تماماً في مناصرتها لإسرائيل”.

أما القصة الأخرى فهي أكثر غرابة وتتعلق “باليهود” المقيمين في بروكلين، إذ إن لهم أولوية بتلقي العلاج في مستشفى تموله عائدات الضرائب، يُعدّ مركز مايمانيديز الطبي أكبر مستشفى في بروكلين، وهو مستشفى للعموم وليس طائفياً، بالرغم من أن اسمه يدل على حاخام يهودي، إذ تعد بروكلين أحد بؤر فيروس كورونا، والكثير من المرضى داخل هذا المستشفى من “اليهود الهاسيديين” الذين يرفضون الامتثال لأوامر الحكومة بالبقاء في المنزل، والابتعاد عن التجمعات الكبيرة، فعرضوا أنفسهم ومن حولهم لخطر الإصابة بالفيروس.

توجد في مدينة نيويورك خدمة إسعاف تطوعية تتكون من يهود شديدي التطرف، وتدعى باسم “هاتزالا”، تمولها عائدات الضرائب جزئياً، وتأسست بحجة “الاختلافات الثقافية” بين اليهود الأرثوذكس وغير اليهود، وتمكنت هذه الخدمة بطريقة ما من الحصول على 50 جهاز تنفس لاستخدامها في الحالات القصوى من المصابين بفيروس كورونا.

أعطت “هاتزالا” مستشفى مايمانيديز أجهزة التنفس هذه بشرط أن يتمكن “اليهود” من الوصول إليها أولاً، وفي حالة إصابة “يهودي” مسن فإن نسبة نجاته ضئيلة جداً، وعن إمكانية تعافي طفل “غير يهودي” باستخدام هذه المنفسة، يجب إعطاء المنفسة للمسن إلى أن يموت، دون الاكتراث لحياة الطفل.

إن السلطة الصهيونية في الولايات المتحدة حقيقة، ومن المعروف في الدوائر السياسية أن إسرائيل تتدخل في سياسات الولايات المتحدة أكثر من أية دولة أخرى، بالرغم من أن ذكر المرء لذلك ليس آمناً إن أراد أن يرشّح نفسه لمنصب الرئاسة، ولا أحد ينكر أن هذه المنظمات الصهيونية تعمل بنشاط في العملية الانتخابية، فتعمل على القضاء على أي مرشّح يحمل آراء مشبوهة تجاه إسرائيل، وإن كان أحد سكان بروكلين مصاباً بفيروس كورونا ويحتاج إلى جهاز تنفس، فالأفضل ألا ينتهي الأمر به في مركز مايمانيديز الطبي، فهذه الأجهزة مخصصة “لليهود” الصهاينة فقط، لذا يبدو أن لا حدود لعجرفة الصهاينة في الولايات المتحدة، والعالم عموماً.