دراساتصحيفة البعث

منطقة اليورو مثال على الكينزية الفاشلة

عناية ناصر

تظهر الأرقام الاقتصادية في منطقة اليورو خطر الركود التضخمي، وتأثيره في الأمد القريب واضح في ألمانيا وفرنسا، ولكنه يمتد إلى بقية البلدان . لماذا تخلفت منطقة اليورو عن الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات المتقدمة في الأعوام الأخيرة؟

تثبت حزم التحفيز، بما في ذلك خطة النمو وفرص العمل لعام 2009، وخطة رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر للاستثمار في البنية التحتية للاتحاد الأوروبي، والصفقة الخضراء الجديدة، والجيل الأوروبي القادم، أن التخطيط المركزي لا يؤدي إلا إلى النمو الهزيل، والديون المرتفعة، والآن التضخم المرتفع.

تظهر أحدث أرقام البنك المركزي الأوروبي أن المجاميع النقدية-مقياس لمعرفة كيفية تأثير عمليات السوق المفتوحة على الاقتصاد- بدأت في الاعتدال، ولكن التضخم لا يزال مرتفعاً، فوفقاً لوكالة “بلومبيرغ” تبلغ التقديرات الإجماعية لنمو الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 0.6% مع معدل تضخم أعلى من 5%، ومن المهم الإشارة إلى أن التضخم الأساسي لا يزال أعلى بثلاث مرات من هدف استقرار الأسعار.  وتبدو رسائل رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد بشأن التضخم واضحة، ولكن هدف البنك المركزي الأوروبي لا بد من تحقيقه. والواقع أن الزيادات في أسعار الفائدة موجودة لتبقى، على الرغم من أن تقديرات السوق تشير إلى أن البنك المركزي الأوروبي سوف يبدأ في خفض أسعار الفائدة بحلول عام 2024. والمشكلة هي أن منطقة اليورو تراهن فقط على رفع أسعار الفائدة بهدف تقليص التضخم، في حين تستمر الحكومات في إنفاق المليارات من اليورو على يسمى صناديق الجيل القادم والعجز الذي  يعني المزيد من التضخم أو الضرائب في المستقبل.

ولا ينبغي أن يكون مستغرباً عندما ينخفض الائتمان في منطقة اليورو جنباً إلى جنب مع المجاميع النقدية.

ويقع العبء الكامل للتطبيع النقدي على كاهل القطاع الإنتاجي والأسر والشركات، في حين تواصل العديد من الحكومات زيادة الإنفاق بالاستدانة. إن أرقام النمو في منطقة اليورو هزيلة للغاية، ولكنها تصبح أسوأ عندما الأخذ في الاعتبار أن التقدم الذي أحرزته أيرلندا، كما أظهرت “يوروستات” وهي مديرية عامة  للمفوضية الأوروبية، يفسر بالكامل تقريباً التعديل التصاعدي الأخير. ماذا تفعل منطقة اليورو؟ بدلاً من تحفيز نموذج الحرية الاقتصادية، فإنها تدعم النماذج المتدخلة.

من المتوقع أن ينمو الاقتصاد بشكل طفيف في عام 2023، حيث يعاني من ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض الصادرات، حيث يؤكد ضعف مؤشرات التصنيع والخدمات هذا التخوف، كما تظهر مؤشرات مديري المشتريات اتجاهاً سلبيا ًواسع النطاق في الطلبيات الجديدة والاستثمار.

إن رفع أسعار الفائدة غير كافي عندما تبلغ الميزانية العمومية للبنك المركزي الأوروبي 52% من الناتج المحلي الإجمالي.  وانخفاض التضخم المنسق إلى 5.3% في تموز من 5.5% في حزيران، وذلك بسبب التأثير الأساسي وانخفاض أسعار السلع . ومع ذلك، فقد بدأت السلع في الارتداد منذ شهر أيار الماضي، عندما بدأ السوق في استبعاد نهاية رفع أسعار الفائدة . ولا يمكن تجاهل حقيقة مفادها أن البيانات المتعلقة بتوقعات التضخم في منطقة اليورو آخذة في الارتفاع.  ورفع البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة القياسي إلى 4.25% من 4.00%، وهي زيادة تراكمية منذ تموز 2022 قدرها 425 نقطة أساس ستنتهي في 2023 عند 4.43% وفي 2024 عند 3.68%، لكن من دون إنهاء معركة التضخم.

تواجه منطقة اليورو على الرغم من خطط العجز والنمو المركزية التي تبلغ تريليونات الدولارات بيئة من النمو الضعيف والتضخم المرتفع مع رياح معاكسة قوية، تقودها الزيادة في تكاليف الطاقة والتأثير المتخلف الذي يمكن أن يولده ارتفاع أسعار الفائدة، حيث لا تظهر الزيادات في أسعار الفائدة كامل تأثيرها على الاقتصاد حتى 12-18 شهراً بعد اكتمالها، وفقاً لتقديرات البنك المركزي الأوروبي.

لا بد من الإشارة إلى المشاكل التكنولوجية التي يواجهها الاتحاد الأوروبي، فبينما تقود الولايات المتحدة والصين التقدم التكنولوجي العالمي، يبدو أن الاتحاد الأوروبي تأخر في النمو والاستثمار، ولكن في المقام الأول في براءات الاختراع وشركات التكنولوجيا. لا يملك الاتحاد الأوروبي عمالقة التكنولوجيا القادرين على تحدي قادة العالم، وأحد العوامل التي تثير القلق أكثر هو المستوى المرتفع للغاية من الضرائب الذي يعمل ضد الفرص المتاحة لإنشاء عمالقة التكنولوجيا على مستوى عالمي.

ووفقاً للمفوضية الأوروبية نفسها، تظل الضرائب في أوروبا عند مستوى مرتفع للغاية بالنسبة لرأس المال (27.8%) والعمالة (21%)، وهما عاملان رئيسيان لتطوير شركات التكنولوجيا. ومثل هذه الضرائب المرتفعة تهدد الإبداع، وجذب الاستثمار، وتحسين رأس المال البشري. وإذا كان هناك درس يمكن أن تتعلمه الولايات المتحدة وبقية العالم، فهو أن التخطيط المركزي الضخم لا يحقق النمو، وأن الحكومات لا تقود التنمية الاقتصادية والإبداع . وسوف تستفيد منطقة اليورو من إتباع نهج قائم على جانب العرض ومن أسفل إلى أعلى في التعامل مع الاقتصاد، ولسوء الحظ، فإنه سيضاعف من التخطيط المركزي.