العقوبات الأحادية اللامشروعة والتباكي الغربي على معاناة السوريين !!
د.معن منيف سليمان
يعدّ التباكي الغربي على معاناة السوريين كذبا ونفاقا هدفهما الحقيقي تنفيذ أجندات استعمارية من خلال التسييس المتعمّد والممنهج للشأن الإنساني، ومحاولة استغلاله من أجل ممارسة الضغوط على القيادة السورية وتعقيد الأزمة. غير أن العقوبات الأحادية الجانب اللا مشروعة المفروضة على سورية تفقد الدول الغربية الاستعمارية أية مصداقية عند الحديث عن مساعدة السوريين والتخفيف من معاناتهم، ذلك أن هذه العقوبات حرمت المواطنين السوريين من أبسط حقوقهم كحق الحصول على الغذاء والدواء ووسائل التدفئة. كما أن هذه الدول تمعن في أعمالها العدوانية تجاه الشعب السوري عبر دعهما للتنظيمات الإرهابية واستخدامها كذراع عسكري تحاول من خلالها العودة إلى زمن الانتداب والاستعمار. إن الدولة السورية تقوم بواجبها الوطني تجاه مواطنيها فتدفع عنهم الإرهاب وتحرّر الأرض من جهة وتقدّم كل المساعدات اللازمة للمواطنين على امتداد الجغرافية السورية من جهة أخرى. إن المسؤولين الغربيين مطالبون باتخاذ موقفٍ إنسانيٍّ صادقٍ والتخلّي عن أجنداتهم الاستعمارية الرخيصة على حساب معاناة السوريين.
تحاول الدول الغربية استخدام الوضع الإنساني كذريعة للضغط على القيادة السورية لوقف العمليات العسكرية ضدّ الإرهابيين في إدلب، من خلال إثارة المشاعر بالتباكي على معاناة السكان المدنيين، وفي حين يُسلّط الضوء على معاناة الأطفال في سورية فقط، فلا نجد الاهتمام نفسه بمعاناة أطفال اليمن وليبيا والعراق وفلسطين، فالإعلام الغربي يسيطر على العالم، وهذه سياسة استعمارية واضحة ، و لنتذكر ما حدث في “ناغازاكي” و”هيروشيما” اليابانيتين، والأطفال الذين يولدون مشوّهين حتى اليوم، وكذلك أطفال فيتنام ، وهو غيض من فيض ما نجم عن إجرام هذه القوى الاستعمارية التي بات الجميع نعلم حجم النفاق الذي تحمله سياساتها .
إن العالم الذي تحاول الحكومات الغربية تضليله عبر وسائل إعلامها الخاضعة للسيطرة الصهيونية العالمية، بدأ يدرك المعايير المزدوجة التي تنتهجها تلك الحكومات، حيث لم يعد مقبولاً التباكي على معاناة السوريين، وهي بالتأكيد محزنة ومؤلمة نتيجة السياسات الخاطئة للدولة الغربية وتسويغ قتل الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير الحضارة الإنسانية بسلاح التنظيمات الإرهابية التي تتلقى الدعم العسكري واللوجستي من قبل أمريكا ودول أوروبا الاستعمارية وعملائهم من ملوك ومشايخ وأمراء البترودولار وحكومة العدالة والتنمية الاخوانية في تركيا، كما أن أساليب الخداع وازدواجية المعايير التي تنتهجها الدول الغربية حيال المأساة الإنسانية في سورية ومكافحة الإرهاب باتت مكشوفة للشعوب الغربية وللعالم أجمع، حيث شهدت بعض العواصم مظاهرات احتجاج على سياسات هذه الحكومات وتعالت أصوات بعض القوى السياسية التي تطالب بتغيير هذه السياسات الخاطئة تجاه دول المنطقة عموماً وسورية على وجه الخصوص.
وفي هذا السياق حذّرت عضو مجلس النواب الأمريكي والمرشحة للانتخابات الرئاسية “تولسي غابارد” من أن يقدم الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” الدعم ل ـ”أردوغان” موضّحة أنه لا مصلحة للولايات المتحدة ولوسائل إعلامها في دعم جنون العظمة له و لشركائه الإرهابيين التابعين لتنظيم “القاعدة”.
وتفرض الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية صارمة على سورية شملت قيوداً مالية وتجارية، خاصة في قطاعات النفط والغاز، وحظراً على صادرات السلاح، وقيوداً على تصدير المعدّات والتكنولوجيا، فضلاً عن رصد أو اعتراض الإنترنت أو الاتصالات الهاتفية، إضافة إلى وضع قيود كبيرة على الأغذية والأدوية وموادها الأولية والمعدات الطبية. وطالت العقوبات شخصيات وشركات سورية منذ العام 2011. وتمّ تمديد وتحديث هذه العقوبات أكثر من مرّة على مدار سنوات الحرب على سورية.
إن العقوبات الأحادية الجانب اللا مشروعة المفروضة على سورية تُفقد دول الغرب الاستعمارية أية مصداقية عند الحديث عن مساعدة السوريين والتخفيف من معاناتهم. فقد كانت سورية واحدة من الدول في الوطن العربي، التي كانت مستويات المعيشة فيها تقارن بالدول الأوروبية الغربية. وكانت تعتمد على نفسها بشكل كامل في توفير إمدادات الغذاء، كما كانت الظروف الصحية بها جيدة. إلا أن العقوبات أضرّت بشكل هائل بالاقتصاد السوري. وبات المجتمع السوري يواجه أزمات اقتصادية حادّة وتمنع المواطنين من الحصول على الخدمات الأساسية مثل الوقود والمواد الغذائية.
وقالت “إليزابيث هوف” ممثلة منظمة الصحة العالمية في سورية” إن العقوبات كان لها تأثير سلبي على قطاع الرعاية الصحية في سورية رغم الإعفاءات الإنسانية”. وأوضحت أن “العقوبات أثّرت على شراء البعض من الأدوية وذلك من خلال حظر التعاملات مع البنوك الأجنبية ومنع كثير من شركات الأدوية العالمية من التعامل مع سورية بشكل نهائي”.
وتشير المعلومات المتوفرة من وزارة الاقتصاد والتجارة السورية ووزارة الصحة، إلى فقدان الأسواق السورية لعدد كبير من المنتجات الدوائية نتيجة العقوبات الاقتصادية المفروضة، خاصة الأدوية اللازمة لعلاج الأمراض المزمنة، كما توقفت بعض المعامل المتخصّصة بإنتاج الدواء عن العمل، إثر توقف استيراد المواد الأولية اللازمة.
إن دول الغرب الاستعمارية تحاول الضغط أكثر على الحكومة السورية ودفعها للخضوع إلى الاملاءات والشروط الاستعمارية، لكن في الوقت نفسه تريد استهداف صمود المدنيين داخل سورية، عبر استهداف لقمة عيشهم، والحدّ من قدرتهم على الإنتاج، واستهداف قطاعي الصناعة والتجارة السورية، للتقليل من قدرتها على الاستمرار وبالتالي توقفها. ولم تترك هذه الدول الاستعمارية وسيلة عدوانية إلا واستخدمتها ضدّ الشعب العربي في سورية، ما زاد من معاناة السوريين وضيّق عليهم سبل العيش، وهذا بالضرورة أسهم بشكل كبير في البحث عن طرق للمعيشة دفعت بعددٍ كبيرٍ للهجرة بحثاً عن الأمن وتحسين الظروف المعيشية. وبالتالي فإن التباكي الغربي على المهجرين السوريين هو أشبه بدموع التماسيح إذ حين توجع الناس لا يمكنك القول إنك تدافع عن حقوقهم، في الوقت الذي يزعم فيه فارضو العقوبات من الأوروبيين والأمريكيين أنهم يناصرون الشعب السوري!.
أوروبا التي نام سياسيوها على أوهام استعماريتهم ومطامع الاستثمار السياسي في مأساة اللاجئين، يستيقظون اليوم على مأزق المشكلات المتفجرة في داخلهم، حيث لا تنفع معها الشعارات ولا تفيد الدموع. فمعاناة السوريين سببها الوحيد السياسة العدوانية الأمريكية والأوروبية التي كان من تداعياتها ما تشهده الدول الأوروبية من طوفان وموجات المهاجرين التي صنعت التنظيمات الإرهابية ومدتها بكل عناصر القوة وأدوات القتل والتدمير وشجعتها عل ارتكاب المجازر والجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية من شدّة هولها وفظاعتها ووحشيتها في سبيل نشر الرعب والخوف وإثارة الفوضى وتمزيق النسيج الاجتماعي وتدمير البنى التحتية للدولة السورية. وهذا ما أدّى إلى تهجير معظم المواطنين السوريين من المناطق التي تسلّل إليها الإرهابيون إلى مناطق واقعة تحت سيطرة الدولة السورية، ومنهم من اضطرّ إلى اللجوء نحو دول الجوار والدول الأوروبية.
تحاول دول الغرب الاستعمارية إظهار الحال في سورية على أنها أزمة إنسانية نابعة عن حرب داخلية أو كما يسميها البعض “حرباً أهلية” مع أن العالم كلّه بات يدرك أن ما يجري في سورية هو حرب ضروس بين الدولة السورية والإرهاب المدعوم من قوى إقليمية ودولية.
ولهذا السبب تتولى سورية مهمّة الدفاع عن شعبها وسيادتها، وفي هذا السياق أكدت الخارجية السورية أن :”سورية تذكّر تلك الدول بأن محاربة الإرهاب على أراضيها هو حق مشروع تكفله القوانين والمواثيق الدولية”، خاصة أن المجموعات الإرهابية التي تحاربها قوات الجيش السوري تتزعمها “هيئة تحرير الشام” المدرجة على لوائح مجلس الأمن كمنظمة إرهابية، مشيرةً إلى أن “الحكومة السورية تؤكد أنها لم ولن تدخر أي جهد في تقديم كل المساعدات اللازمة للمواطنين على امتداد الجغرافيا السورية وكل ما يمكنها من تسهيلات للمهجرين بفعل الإرهاب”.
القضية واضحة في سورية فهي حرب بين الدولة السورية والإرهاب، ومن يعاني من أزمة المهاجرين ما عليه إلا أن يعلن موقفاً واضحاً ضدّ الإرهاب، ويدعم جهود من يكافحونه بدل التذمر والانشغال بتقديم وجبات سريعة أمام عدسات الكاميرات للمهاجرين، وبدلاً من الإعلان عن استقبال مهاجرين بأعداد محدودة ، و على بريطانيا وأمريكا رفع العقوبات المفروضة على سورية، تلك العقوبات التي تحرم السوريين من أبسط مقومات الحياة وتطال الغذاء والدواء. وتركيز الجهد لإنهاء الحرب بالاتحاد ضدّ ظاهرة الإرهاب بالتعاون مع الحكومة السورية الممثل الوحيد والشرعي للشعب العربي السوري، للقضاء على التنظيمات الإرهابية بكافة أشكالها وأسمائها، وتشجيع الحوار السوري – السوري الذي من شأنه تجاوز الأزمة المفتعلة وتحقيق تطلعات الشعب السوري في بناء مستقبله بعيداً عن التدخل في شؤونه الداخلية.
إن الحكومة السورية تطالب المجتمع الدولي، وخاصة المسؤولين الأوروبيين، باتخاذ موقف إنساني صادق ولو لمرّة واحدة، والتخلّي عن أجنداتهم الاستعمارية الرخيصة على حساب معاناة السوريين، وإرغامهم على الالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني.