ثقافةصحيفة البعث

بسام الملا يوثق تراث دمشق في “سوق الحرير”

توقيع المخرج بسام الملا كفيل بأن يغري الكثيرين في سورية وبلاد الاغتراب بالمتابعة بشغف لذاك السحر الخفي للبحرة والنافذة والباب وأرجاء المدينة الخالدة دمشق، إذ لم يتمكن عدد من المخرجين الذين خاضوا غمار أعمال البيئة أن يمسكوا بطرفه رغم تقديمهم أعمالاً كانت ناجحة.

فما أن بدأت مشاهد “سوق الحرير” (إخراج الأخوين بسام ومؤمن الملا، سيناريو حنان حسين المهرجي، إنتاج ميسلون فيلم) حتى شدّ الانتباه محققاً متابعة كبيرة، ولاسيما أن الملا اعتمد على نجوم أعمال البيئة الشامية (عبد الهادي الصباغ، ميلاد يوسف، وفاء موصلي، كاريس بشار، وأمانة والي، وغيرهم)، وعلى حضور النجم أسعد فضة، إلا أن اعتماده الأكبر كان على النجم بسام كوسا، البطل الذي يؤدي دور “عمران”، التاجر الدمشقي الشهير المتصف بالكرم وحسن الخلق، والذي يتحلى بالكلام السلسل واللبق والجميل المعتمد على ما يسمى بعلم اللغة بالشحن العاطفي الذي يرفع الطاقة الإيجابية، وبدا قريباً من المشاهدين الذين وجدوا تقاطعاً في جانب معين بشخصيته التي أداها في “سلاسل ذهب”، كبير تجار الصاغة مع اختلاف أبعاد الشخصية ومراميها.

الأمر اللافت أن الملا تلافى الأخطاء التي وقع بها في باب الحارة، لتتضح رسالته الفكرية والتوثيقية القريبة من حقيقة التراث الدمشقي في “سوق الحرير”، منطلقاً من أحد أشهر أسواق دمشق القديمة في منطقة باب الجابية فتتكامل الصورة البصرية مع اسم العمل.

ورغم نمطية الشكل وتقليدية أعمال البيئة، إلا أن الملا خلق أجواء جديدة من خلال حكاية اجتماعية أساسية تحدث داخل منزل عمران وزوجاته ووالدته التي تملك السر – أدت شخصيتها الفنانة هيفاء واصف – بعد غياب طويل عن الكاميرا – بأداء لافت حاز على إعجاب المشاهدين وعبّر عن حبهم واشتياقهم لها، إضافة إلى الكثير من الحكايات التي تظهر بفنية غير مباشرة ملامح التراث غير المادي، خاصة طقوس رمضان.

تبدأ الأحداث مع قصف الفرنسيين مدينة دمشق عام 1945، وتمضي إلى العام 1955، فيبتعد الملا عن مشاهد المعارك التي كان لها حضور قوي في الأجزاء الأولى من باب الحارة، ليركز على الحياة الاجتماعية والخطوط المشتركة مع باب الحارة، إلا أن الملفت هو الاهتمام بالواقع الثقافي والتعليمي والعملي للمرأة، والمتباين في المنزل الواحد وفي الحارة، فأخت عمران – ريام كفارنة – التي لا تهتم بأن تكون صورة متكررة لحياة الأنثى التي يقتصر دورها بالحياة على الاهتمام بالمنزل والمطبخ والزواج والإنجاب، تابعت دراستها وتعمل على تثقيف نفسها، ففي أحد المشاهد تطلب من عمران مبلغاً من المال لشراء الكتب لاهتمامها بالقراءة، وتدوّن يوميات المنزل بمذكراتها لتمرر بكتاباتها الجوانب السلبية لتعدد الزوجات وانعكاساتها المؤلمة على الأنثى وإحساسها بالغيرة والظلم. وينوّه عمران في حواره مع أخته عن زوجته الثالثة كريمة – ندين تحسين بيك – بأنها كانت تعمل قبل الزواج، ودخول الأحداث المشفى والعلاقة بين الطبيبة السورية والمصرية بإشارة إلى تداخل العلاقات الاجتماعية المصرية السورية من قبل زمن الوحدة بدخول الأحداث العائلة المصرية وتوظيفها ضمن مسار الأحداث الدرامية، إذ وجد رب الأسرة الصناعي ملجأ له في أسواق دمشق.

ويستكمل الملا خطوط الحكاية عبْر تواصل الأحداث بين الريف والمدينة وافتعال حادثة الجريمة، لتتكامل خطوط الحبكة بمشاركة النجم سلوم حداد بدور غريب سيكون محركاً للأحداث. وما تشير إليه الأحداث أن المخرج يتعامل مع شخصيات تحمل في داخلها أقطاباً إيجابية وسلبية تؤدي برمزيتها إلى دلالات حاضرة.

والسؤال المطروح هل سيقع الملا أيضاً في فخ تكرار الأجزاء على غرار سلسلة “باب الحارة”؟ وهل سيحقق سوق الحرير النجاحات المتتابعة للأجزاء الأولى من باب الحارة، ولاسيما أنه تميز بإنصاف المرأة وتناولها من مكانتها الحقيقية، وواقعها التعليمي والمهني والحياتي؟

ملده شويكاني