أخبارصحيفة البعث

انهيار الليرة.. الحلقة تضيق حول أردوغان

سنان حسن

يواصل رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، بعقليته الدكتاتورية المتسلطة، ونهجه الإخواني الشبق إلى الدم والقتل، جر تركيا إلى مزيد من التوتر والانقسام والانغلاق، الأمر الذي دفع بالمؤسسات الدولية والأوروبية إلى وصف تركيا بالسجن الكبير، فالقائمون على إدارة البلاد بحسب أحد أبرز المنشقين عن أردوغان، وهو وزير اقتصاده السابق علي باباجان: “لا يبحثون عن الحقيقة، بل التصدّق على الناس”، وهذا هو جوهر الصراع في تركيا اليوم، لقد حوّل أردوغان وزمرته الإخوانية تركيا إلى مزرعة، حتى ولو كان ذلك سيؤدي إلى تهديد حياتهم، كما حدث عند منع تقديم المساعدات عن الولايات ذات غالبية تعارض مواقفه السياسية. واليوم تزداد الأزمات وتتعقد بداية من وباء كورونا وكيفية مواجهته، مروراً بالتضييق على المعارضة ومحاولة قتلها، إلى قرب انهيار الاقتصاد وتراجع الليرة، وليس انتهاءً بالصراع داخل العدالة والتنمية على خلافة “أبي بلال”، فهل تعجّل تلك الأزمات في سقوط أردوغان وحزبه الإخواني؟

فشل في الإدارة

لا يكاد يمر يوم خلال أزمة كورونا إلا ويخرج فيها أردوغان ليقول للشعب التركي أنه حقق انجازات غير مسبوقة في مواجهة الوباء وحدّ من انتشاره، وأن ما قدمه في مواجهة كورونا لم تقدمه دولة في العالم!!، وأن الأمر لم يتوقّف على الداخل التركي بل أرسل المساعدات إلى دول العالم لتتعرّف على التجربة التركية في مواجهة الوباء المستجد، وآخرها الصومال. ولكن نسي أردوغان القول أن الإنجازات التي حققها جعلت تركيا أول دولة، بعد أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي، يتجاوز فيها عدد المصابين بكورونا عتبة الـ 125 ألف مصاب، وأن الأوضاع فيها إلى مزيد من السوء بسبب فشل الإجراءات الاحترازية المتأخرة والمرتبكة التي اتخذتها حكومته، وما حصل مع وزير داخليته سليمان صويلو من فرض حظر للتجوّل لمدة يومين في البلاد قبل ساعتين فقط من بدئه يؤكد ذلك، حيث أكدت المراكز الطبية والاستشفائية التركية أن ما حدث بعد قرار صويلو بفرض حظر التجول المفاجئ كان كارثة حقيقة وذروة الاستهتار بالمصلحة العامّة وبصحّة الناس حيث انتقل معدل الإصابة بالمرض من 1500 إصابة يومياً إلى 5000.

مسرحية جديدة

وبالتالي عن أي إنجازات يتكلم أردوغان؟ ربما نجاحه في ثنّي صويلو نفسه عن الاستقالة بعد الانتقادات التي تعرّض لها على خلفية قرار حظر التجوّل، ولكن حتى هذه كانت مسرحية جديدة من أردوغان لحرف الأنظار عن فشله في إدارة أزمة كورونا، فالكل يعرف أن لا قرار في حزب العدالة والتنمية إلا لأردوغان، وهذا كان واضحاً من كم الردود التي صدرت عن السياسيين الأتراك بعيد المسرحية، إذا قال رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليتشدار أوغلو: “استقالة صويلو هي لإنقاذ رأس أردوغان، ولا أعتقد أن صويلو يتخذ  القرار بمفرده”، أما الرئيس السابق للجمهورية ورفيق درب أردوغان السابق، عبد الله غول، فقال: “لقد استمتعنا فعلاً  بالفيلم. أهنئ الممثّلين، لقد لعبوا أدوارهم بصورة رائعة” في حين وصفت صحيفة جمهورييت ما جرى بأنه من  “ألاعيب السراي”.

كشف المستور

ولكن استقالة صويلو المفبركة كشفت قضية أكبر في حزب العدالة والتنمية تتعلق بمسألة خلافة أردوغان ومن الأحق بها، فصويلو ومنذ الانقلاب المزعوم في عام 2016 استطاع تأسيس شبكة واسعة من العلاقات داخل الحزب وبات من الشخصيات المؤثّرة والتي لها حيثية ضمن العدالة والتنمية وكذلك مقربة من أردوغان نفسه على خلفية عمليات الاعتقال التي نفذها بحق المعارضين، وهذا لم يروق لصهر أردوغان ووزير ماليته براء ألبيرق، الذي يدير لوبيّاً قوياً في تركيا ويمسك بملفات مالية واقتصادية مهمة، حيث سعى البيرق لأن تكون الاستقالة ضربة قاضية لمنافسه الشرس على خلافة عمه، من خلال تأجيج الميديا المقربة منه ودفعها إلى مهاجمة صويلو وتحميله مسؤولية ما جرى، ولكن بالنهاية بقي وتركت المواجهة مفتوحة بين الطرفين.

العصابة 

بعد هدوء الأجواء بين صويلو و”الصهر” مؤقتاً، خرجت قصة جديدة إلى العلن تتعلق بالصهر الثاني لأردوغان  سلجوق بيرقدار زوج ابنته سمية، تتمثل في ضغوط جديدة من العائلة لتسميته وزيراً للصناعة والتكنولوجيا بدلاً من مصطفى فارانك، معتمداً على المكانة التي اكتسبها من الطائرة المسيرة التي تحمل اسمه “بيرقدار”، ومستفيداً من دعم أردوغان نفسه وتسليمه مسؤول تقني في شركة “بايكر ماكينا” لصنع الطائرات المسيرة. وفي حال نجحت المساعي لتوزيره، سيصبح زميلاً للصهر الأول البيرق، الذي يتولى وزارة المالية منذ سنوات، ويقتصر الحكم على المقربين فقط بغض النظر عمّا قدمه صويلو، ولتنغلق الدائرة السياسية والمالية بين الأطراف الثلاثة “أردوغان” وصهريه “بيرات والبيرقدار”.

الليرة تنهار

وآخر تلك المشاكل التي تواجه أردوغان حتى الآن هي ترنح الليرة التركية وتهاوي الاقتصاد، سواء بفعل السياسيات الاقتصادية التي يعتمدها صهره وزير المالية، أو بسبب العطالة التي فرضها فيروس كورونا والشلل الذي أصاب الاقتصاد العالمي، حيث هوت الليرة أمام الدولار بشكل كبير لم تصله منذ عام  2018، وعلق باباجان: “تركيا التي كان مصرفها المركزي يملك احتياطاً في وقت ما مقداره 136 مليار دولار نزل الحجم الآن إلى 30 مليار دولار، بفعل سياسات الحكومة الخاطئة التي أدّت إلى ذوبان الدولار”، كاشفاً أن المصادر المالية لتركيا تنفد وأن البنك المركزي يطبع الليرة، في المقابل، لا يوجد احتياط من العملة الصعبة، وهذا يفتح الباب أمام انهيار العملة.

فهل تعجل تلك الملفات المفتوحة بوجه أردوغان سبل خروجه وطغمته الاخوانية من الحكم، لأن استمراره على هذا المنوال سيؤدي حتماً إلى مواجهة كبيرة قد يكون ثمنها باهظاً جداً على تركيا ووحدة أراضيها؟

(تقرير إخباري)