حنان المهرجي: “سوق الحرير” حمّلني مسؤولية كبيرة
الكتابة بالنسبة لها ليست أمراً عرضياً تجلى في نص مسلسل “سوق الحرير” – إخراج بسام الملا ومؤمن الملا – وإنما هي مشروع قديم تمارسه باستمرار ولكنّه لم يرَ النور إلا من خلال هذا العمل، وتعبّر حنان المهرجي كاتبة المسلسل عن سعادتها بالنجاح الذي يحققه من خلال متابعة الناس له في أنحاء الوطن العربي ودول الاغتراب، مبينة أن رسائل عديدة تصلها من أنحاء الوطن العربي ودول الاغتراب تبارك لها ولصانعيه نجاحه، مؤكدة أن هذا التشجيع والدعم يحمّلها مسؤولية كبيرة دون أن تنكر المهرجي أن شهر رمضان شهر تتوفر فيه فرص مناسبة لمتابعة الأعمال الدرامية، مع قناعتها أن العمل الناجح لا يرتبط نجاحه برمضان فقط بل بأي شهر يُعرَض فيه.
وعي وانفتاح
وتبيّن المهرجي أنها تتابع “سوق الحرير” بعين المُشاهد والناقد في الوقت ذاته، وأن أكثر ما يخيفها أن تقع عيناها على هفوات، ومع هذا لا يمكنها أن تشاهده دون التدقيق في تفاصيله لتفادي أي خطأ تم ارتكابه من قبلها، كما أنها لا تتجاهل آراء الناس وانتقاداتهم لأنهم المعنيون بالعمل بالدرجة الأولى، وهي المؤمنة بأن كل كاتب يجب أن يستمع جيداً للانتقادات والملاحظات إذا كانت بنّاءة، حيث لا يوجد نص كامل، مشيرة إلى أن نص “سوق الحرير” لم يرَ النور بالشكل الذي تابعه الجمهور إلا نتيجة لورشة شاركت فيها إلى جانب المخرج مؤمن الملا وفادي المنفي وأكثم حمادة كمعالجين دراميين، فمن خلال الأفكار والحوارات والنقاشات الكثيرة وُلِدَ هذا النص بشخصياته وأحداثه بعد أن قدم المخرج بسام الملا مجموعة من الأفكار العامة لإنجاز عمل اجتماعي يصور أحداثاً في دمشق في فترة الخمسينيات وهو لا ينتمي لأعمال البيئة الشامية وتختلف أحداثه عنها، حيث يرصد حكاية تعود إلى حقبة الخمسينيات، يسبق ذلك مروراً سريعاً على فترة الاستقلال والتطوّر والانفتاح وإنشاء الجامعات التي شهدتها دمشق بُعيد خروج الاحتلال الفرنسي حيث تضيء الحلقات الثلاث الأولى على مرحلة الأربعينيات قبل أن يمرّ الزمن مسرعاً، وصولاً إلى منتصف الخمسينيات، وقد وقع الاختيار على هذه الفترة لأنها فترة وعي وانفتاح وازدهار في تاريخ سورية، وهذا ما سيظهر بشكل جلي ّفي المسلسل الذي من المقرر أن يُتبَع بجزء ثان، منوهة إلى أنه ومنذ البداية كان هناك اتفاق مع شركة الإنتاج على تقديم العمل ضمن أجزاء، وقد أُنجز الجزء الأول، والجزء الثاني من المقرر أن يتم تصويره قريباً، لذلك سيلاحظ المشاهد أن العديد من القصص في الجزء الأول من “سوق الحرير” لم تُغلَق، ومصائر شخصيات لم تتضح بانتظار بقية الأجزاء، حيث يشهد الجزء الثاني تطوراً كبيراً لشخصيات كثيرة لكن دون أن تنحرف عن مسارها، موضحة المهرجي أن هناك أعمالاً يقرر أصحابها تقديم جزء ثانٍ أو ثالث لها استثماراً لنجاح الجزء الأول وليس لدواعي الأحداث، وهذا ما يؤدي أحياناً إلى تقديم أجزاء لا تحقق النجاح نتيجة عدم التحضير المسبق لها مما يحرف الشخصيات والأحداث عن خط العمل الأساسي.
شخصيات من لحم ودم
ولا تخفي المهرجي أن كتابة عمل ضخم بأجزاء تحتوي على صعوبات عديدة، لكن الكاتب عندما يعيش القصة وأحداثها يستطيع التعبير عنها بيسر وسهولة ولذلك هي تعتمد في أغلب ما تكتبه على قصص واقعية مما شاهدت أو سمعت لتقديم شخصيات من لحم ودم تشبهنا، لذلك هي لم تُقصِ شخصيات الأطفال عن الأحداث، وقد حضَرَت قصصُهم بقوة على الرغم من أن العديد من الكتّاب يغيّبونهم لصعوبة إيجاد من يجسد شخصياتهم بشكل جيد، في حين كانت هي مصرّة على حضورهم لأن الحياة لا تخلو منهم ورغبة منها في تقديم ما هو مختلف مع محاولة إبراز شخصيات معينة في “سوق الحرير” لثقلها في الأحداث إلى جانب وجود شخصيات أخرى لكل منها خصوصيتها، وقد كان يعنيها بالدرجة الأولى حالة الشخصيات وأحداثها الدرامية وليس عدد مَشاهدها، وكذلك الاهتمام بالمشهد نفسه وردّة فعل الشخصية على ما يحدث دون تهميش أي شخصية، وإن كانت هناك شخصيات بدت وكأنها مهمَّشة في الجزء الأول إلا أننا سنرى تحولات كثيرة فيها في الجزء الثاني ليدرك المشاهد أن وجودها في الجزء الأول ما هو إلا مقدمة لما سيحدث تدريجياً في الجزء الثاني، حيث سنشهد نقلات نوعية غير متوقعة ولقناعتها بأن المخرج هو كاتب ثان وهو الذي يبث في النص الدماء كان المخرج مؤمن الملا مرجعها الأول والأخير لأنه لم يتعامل مع النص كمخرج فقط بل تبناه وساعدها بخبرته، حيث لم يبخل عليها بأية معلومة أو ملاحظة، كما لم ينقطع التواصل بينهما وقد واكبت بعض عمليات التصوير وكانت حاضرة في أي توجه إلى التعديل.
كوميديا الموقف
ويؤسف الكاتبة حنان المهرجي أن الكوميديا في مرحلة انحدار بعد أن سادت كوميديا التهريج وغابت كوميديا الموقف، وتتحسر على الأعمال الكوميدية التي سبق وأن تم تقديمها في فترة من الفترات وكانت أعمالاً ناجحة وما زالت في ذاكرة المشاهدين وهي لديها استعداد لمتابعة هذه الأعمال أكثر من مرة، خاصة وأنها تُعَبّر عن تلك المرحلة التي عُرِضت فيها، مبينة أنها تميل لكوميديا الموقف، وهذا ما تحاول التعبير عنه في كتاباتها لأنها ضد كوميديا التهريج والسخرية ومحاولة إضحاك الناس من خلال تشويه الأشكال، ولديها نصوص كوميدية ولكنها ما زالت تجارب حبيسة الأدراج، كما تستهويها الأعمال المعاصرة لأنها ابنة هذا العصر، وهذه النوعية من الكتابة تبدو أسهل قليلاً من نصوص الأعمال التي تشبه “سوق الحرير” التي تتطلب العودة إلى مراجع، لذلك كان من الضروري وجود باحث تاريخي تتم العودة إليه.
وتشير المهرجي إلى أنها تكتب منذ عشرين عاماً وهي لا ترغب بالحديث عن التجارب المؤلمة السابقة وتكتفي بالإشارة إلى أن اسمها رأى النور لأول مرة على شارة “سوق الحرير” لأن شركة ميسلون هي الشركة الوحيدة التي تعاملت معها ككاتبة مع الاحتفاظ بحقوقها المادية والمعنوية عكس الشركات الأخرى التي قامت باستغلال نصوصها دون الإشارة إلى اسمها، داعية الكتّاب الشباب إلى الإيمان بكتاباتهم وألا يفقدوا الأمل لأنها سترى النور عاجلاً أم آجلاً رغم كل الاستغلال الذي قد يتعرضون له في مسيرتهم، متمنية ألا يطول انتظارهم وألا يسمحوا لأحد باستغلالهم.
أمينة عباس