تحقيقات

6 أيار.. عيد الشهيد وبوابة الانتصار

“كل سنة بهاد اليوم بحمل البخور وورد الجوري وبروح لعند حسام بصبح عليه، وبحكيلو شو اشتقتلو”، بهذه الكلمات الحارقة عبّرت أم محمد عن شوقها “لآخر العنقود”، فهي كما قالت، وبعد محاولات زوجها الكثيرة، اقتصرت زيارتها لمرقد ابنها على يومين: يوم استشهاده، وعيد الشهداء.

يوم للقاء
تجاوزنا عتبة تسع سنوات على الحرب الكونية التي تخوضها سورية، وبهذه السنوات زرعت البلاد بأجساد طاهرة على امتدادها، وتنتظر الكثير من الأسر عيد الشهداء لتكون زياراتها جماعية لمكان مكوث أبنائهم الطويل لعل رؤية أحزان الغير تخفف الوجع.
أبو حازم أهدى الوطن، كما يقول، ابنه البكر والوسط في معارك الشرف بريف ادلب وحلب، يقول: مضت على استشهاد حازم سنتان، وعلى استشهاد أحمد سنتان ونصف، في عيد الشهداء آتي للقائهم برفقة إخوتهم البنات، وجيراننا بيت أبي قاسم الذين لديهم شهيد وابنة فقدت بأحد التفجيرات، عيد الشهداء يعتبر “لمة العيلة” عند رؤوس “أسيادنا” الشهداء، أما أم عهد فقالت: استشهد ابني عهد بمعارك ريف دمشق، لديه طفلان هما عزوتي بهذه الدنيا، نزور قبر أبيهما كل عام في عيد الشهداء برفقة الجيران ممن لديهم شهداء، ليجلس كل واحد منا عند قبر ابنه محدثاً إياه بما يجول بخاطره.

دونهم القبور
في عيد الشهداء يجتمع أهالي الشهيد عند قبره يتلون الفاتحة، ويقومون بطقوسهم المختلفة، أما من بقي جسداً على ثرى سورية دون قدرة بعض الأسر على دفن أفئدتها لأسباب مردها طبيعة الأرض والمعركة، فكان عيد الشهداء مختلفاً عندهم،
أم أحمد تقول: فقدت أبنائي الخمسة في أحداث عدرا العمالية، ولم نستطع استقدام جثامينهم، وفي هذا اليوم الشريف أكتفي بصلاتي لهم عن بعد، وتلاوة الفاتحة، فهو أيضاً عيدهم، كذلك كان حال أم عيسى، المرأة ذات الستين عاماً، زرعت ابنها نخلة، كما تقول، في الغوطة الشرقية، وهي كل عام في عيد الشهداء تشعل البخور مع زوجها أمام بيتهم لعل ريحها تصله هناك.

أبو رامي فقد ابنه صفوان في معارك البطولة منذ خمسة أعوام، ولم يتشرف بدفنه، وبقي جسده الطاهر على ثرى ريف دمشق، يقول: صنعت لولدي شاهدة أمام بيتي، وفي عيد الشهداء أشعل البخور وأقرأ الفاتحة على “قلبي” المزروع في أرض الوطن، وأترحّم على جميع الشهداء.

عليكم السلام
يستذكر السوريون عيد الشهداء وكأنه البارحة، فلم ينسوا يوماً شهداء 6 أيار الذين أعدمهم جمال باشا السفاح، وكانوا نخبة من المثقفين والوطنيين، فقد ساق السفاح لهم مختلف التهم التي تتراوح بين التخابر مع الاستخبارات البريطانية والفرنسية للتخلص من الحكم العثماني، والعمل على الانفصال عن الدولة العثمانية، وهو ما يقال إنه كان يسعى بنفسه إليه، وبات هذا اليوم عيداً وطنياً وذكرى دائمة، فأحفاد السفاح أتقنوا فن القتل والتدمير والتشريد، وامتهنوا مع أصدقائهم من عشاق الدم الحروب والخراب والقتل والتدمير، لكنهم جابهوا في سورية جيشاً قوياً، وشعباً عتيداً، وحكمة قل نظيرها، وكان من نتائج هذه الحرب التي قاربت عشرة أعوام مئات الشهداء من العسكريين والمدنيين، وعشرات الأرامل والأطفال، ومئات الثكالى، ليصير عيد الشهداء اليوم عرساً يجتمع فيه الناس عند أبنائهم ممن فارقوا الحياة دفاعاً عن العزة والشرف، وقدموا أرواحهم رخيصة لنحيا ويحيا الوطن، فلا تكاد تخلو منطقة إلا وودعت منازلها شهيداً، شهداء الأمس هم شهداء اليوم، نحتفي بهم بعيدهم كما يحتفي المنتصرون، كيف لا وبتنا قاب قوسين من الاحتفال النهائي، وعندها سيكونون شهداءنا أينما حلوا، لهم الفضل والفضيلة، فهم أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر .

نجوى عيدة