نحو مشهد ثقافي أقل قبحاً
من البداهة القول: إننا شهدنا ومازلنا نشهد ظواهر ومظاهر تعكس الكثير من حالات الانحلال والتردي الأخلاقي، وعلى صعد عدة: ثقافية، وسياسية، واقتصادية تنعكس جميعها على الحالة المجتمعية.. هل هي الحرب؟!
يمكن أن نشبّه ما حدث ويحدث لسوريتنا بالطوفان، بالسيول الجارفة التي دخلت كل مدينة وحارة وشارع، ومن البدهي جداً أن تطفو على وجه هذا السيل الجارف الأشياء البخسة الرخيصة القذرة، أما الأشياء الباذخة والثقيلة والقيّمة فإنها ترسو إلى القاع.
ما يعيشه مجتمعنا السوري هو أقرب ما يكون إلى طوفاااااان.
لكي لا يُفهم كلامنا هذا تهجماً على ملتقى ما، أو على أسماء بعينها، لا بل على العكس نحن ننقد الظاهرة تلك التي أساءت بحق لمشهدنا الثقافي، وللمثقف الحقيقي، وأحدثت شرخاً بليغاً وكبيراً أكثر مما كان بين المبدع والمتلقي، بين المراكز الثقافية والمهتمين للأسباب المذكورة أعلاه.
نحن مع الملتقيات الأدبية الواعية العارفة بحالها وبحال مجتمعنا، والعاملة بكل ما تملك على المضي بمجتمعنا تجاه واقع ثقافي معرفي معافى كالملتقيات التي يديرها أدباء ونقاد مشهود لهم، ولهم اليد البيضاء في التأسيس لمجتمع ثقافي حر ومعافى، أدباء ونقاد مارسوا ومازالوا يمارسون دورهم الوطني والإنساني والأخلاقي في مرحلة هامة وخطيرة جداً تدفعنا جميعاً باتجاه الجمال والخير والمحبة .
إخوتي النقاد الذين مازلنا ننتظر مواقفهم ونعوّل عليها: “من يمتلك الجرأة ليقول لتلك التي تتراقص على المنبر: إن ما تقولينه ليس شعراً ولا يمت لأي جنس إبداعي آخر؟!”.
من يقول لتلك: “إنك لست بشاعرة ولو كتبت قبل اسمك ألف ألف لقب شاعرة!! ولو نشرت ليس بصحفنا ودورياتنا الثقافية!!”. من يقول لتلك التي شغلت ساعة كاملة على شاشة تلفازنا: “إن ما تلقينه ليس شعراً، بل هراااااء.. حتى ولو اعترف بك جرجاني زمانك أنت!!
للأسف، نعم للأسف، تنشر في بعض صحفنا ودورياتنا مواد تمت إلى كل شيء إلا للإبداع، ومن ثم يتم الاشتغال على تعزيز هذا الاسم أو ذاك، وبحسب درجة الانبطاح، فتتم طباعة ديوان أول وثان، ومن ثم، وإلا ما مبرر كل هذا الاحتفاء والتطبيل والتزمير بأشباه المواهب، والعمل على تعزيزها على حساب الجيد والهام، لا بل ويتم سحب مواد لأصحاب التجارب المتبلورة ولسنوات لصالح تلك الهلاميات.
إخوتي، مديري المراكز الثقافية، إخوتي مديري البرامج الثقافية في الإذاعة والتلفزيون، ومديري الصفحات الثقافية في صحفنا، ليس من باب التنظير، بل من باب الرجاء والمحبة، ومن باب الأخوة والانتماء لهذا الوطن العظيم، علينا أن نعمل بشكل يليق بتراب وهواء وماء ونور سوريتنا.
سورية تستحق منا جميعاً أن نكون أكثر انتماء ووفاء، من أجل كل هذا وذاك أوقفوا كل هذا الخراب الممنهج.
لنعمل معاً في سبيل الوصول إلى واقع يطفح بالجمال وبالبهاء وبالضوء، واقع معافى، وهذا لا يحتاج إلى عناء ذهن، فقط يحتاج إلى تحكيم ذائقتكم النقدية الباذخة وضميركم الحي، حينها سنصبح في واقع أقل قبحاً وفجاجة وهشاشة.
عباس حيروقة