هل نملك البرامج لتنمية قدرات و مهارات الأفراد والمؤسسات؟!
نحتاج اليوم في سورية ونحن على أعتاب مرحلة إعادة الاعمار إلى وضع خطة أو مجموعة أهداف تنموية من ضمنها تنمية مهارات وتقوية قدرة الأفراد والمؤسسات والمنظمات والمجتمع ككل لنكون من خلالها قادرين على إنجاز الأعمال والأنشطة بمهارة وفاعلية لتحقيق الغايات والأهداف وصولاً للتنظيم والاستثمار الأمثل للموارد المتاحة في كل المؤسسات كمدخل أو أساس للتنمية المستدامة، إضافة إلى زيادة قدرة الفرد والمؤسسة على تقييم جهوده والتعلم من خبراته، وصولاً إلى تمكين الأفراد والمؤسسات من اتخاذ القرار الصحيح في كل المجالات داخلياً وخارجياً.
ومع طرح الحكومة للبرنامج التنموي ” سورية 2030″ يبدو الأمر ملحاً وضرورياً لتعزيز تنموية القدرات عند الأفراد والمؤسسات، فالاستثمار في الإنسان هو خير استثمار للوصول إلى الأهداف التنموية كي تنمو سورية، وتتكيف وتزدهر في عالم سريع التغير وبعد حرب استنزفت كل شيء .
الخروج من المأزق!
يرى الدكتور محمد إياد الزعيم المدرب المعتمد في بناء قدرات المنظمات والأفراد، وعضو الجمعية السورية لمستشاري الإدارة أن البرنامج التنموي الذي أطلقته الحكومة عام 2018 هام للغاية كونه يرسم رؤية للخروج من مأزق قصور التنمية في سورية ومن أجل التحول من الجمود إلى إطلاق تدريجي لطاقات المجتمع والاقتصاد، مشيراً إلى أنه يحتاج لآليات تنفيذية على أرض الواقع وخاصة لجهة بناء القدرات الخاصة بالإفراد وإعادة هيكلة المؤسسات في كل المجالات ضمن رؤية تخطيطية استشرافية للمستقبل تستجيب لكافة العوامل المؤثر في الأفراد والمنظمات، لذلك ينبغي أن يكون هناك جهة ما تعنى بالرصد والتحليل المستمر لتلك المتغيرات وخلق الرؤى و تصميم البرامج المناسبة.
إعادة هيكلة البرامج
وقدّم الدكتور الزعيم مثالاً على ذلك “مطلع التسعينات تم وضع رؤية تنموية لأحدى الدول العربية ترتكز على تفعيل التعليم العالي ومواءمته مع سوق العمل وتم توصيف الفجوات الموجودة على صعيد البنى المؤسسية وصعيد قدرات الأفراد، وكان إحداها أن مؤسسات القطاع المصرفي تجد أن خريجي قطاع الأعمال والمصارف من الكليات الجامعية الجدد جيدون من الناحية المصرفية ولكن تقنياً، أي من حيث البرمجة ونظم المعلومات يحتاجون للكثير من التدريب مما يخلق صعوبات بتدريبهم وتأهيلهم للعمل، ومن هنا تم إعادة هيكلة البرامج وتصميم تخصص جامعي جديد تحت اسم إدارة نظم المعلومات المالية مما يجمع الشقين معاَ.
يوجد صعوبات!
ورداً على سؤال بخصوص الصعوبات التي تحول دون نجاح تنمية قدرات الأفراد والمنظمات والمؤسسات، بيّن الزعيم أن سورية من الدول التي تزخر بالعنصر الشاب وإن تفعيل دور الشباب والعمل على بناء قدراتهم يدفع بعجلة بناء سورية المستقبل، مبدياً أسفه من كون هذه العملية (تنمية المهارات وبناء القدرات) لا تزال مهمشة كونها جديدة، داعياً لإعطائها مزيداً من الاهتمام والدعم والتطوير، مشيراً إلى أنه حتى الآن لا يوجد أي قانون أو تشريع يحمي المدربين وينظم عملهم !، بالإضافة للنظرة التجارية التي تحكم السوق مما يجعل معايير المهنة غير واضحة وعرضة لسوء الاستغلال!، عدا عن عدم وجود جهة ناظمة لقياس الأثر وتقييم البرامج وتوجيه الخطط مما يخاطر بوجود برامج غير مناسبة للرؤية التنموية المطلوبة.
بيئة ديناميكية تستوعب كل الأفراد!
وبحسب الدكتور الزعيم، يساهم بناء القدرات في معالجة المشاكل المرتبطة بالتحولات البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي تجريها الحكومة أو الدولة، مشيراً إلى أن تطبيق مفهوم بناء القدرات بشكله الحقيقي يضمن بيئة دينامكية وأدوات تستوعب كل الأزمات والمتغيرات التي يتعرض لها أي مجتمع.
” أي أننا نمتلك بشكل مسبق أدوات مرنه لمواجهة الأزمات والتحديات والموائمة اللاحقة لأي متغير وإيجاد البرامج والحلول المناسب لها، مما يساعد على الاستجابة التكاملية “.
ما زاد الطين بلة!
وحول أهم البرامج التدريبية التي يجب أن نوليها الاهتمام، بيّن “الزعيم” أن وضع البرنامج التدريبية بشكل قوالب مسبقة الصنع زاد الطين بله في اغلب الحلول التدريبية المنتقاة.
وأضاف: تعاملت مع أكثر من جهة كانت تصمم البرامج والمناقصات التدريبية بطريقة التكرار من سنوات سابقة أو من جهات مماثلة، لان هذه الطريقة باعتقاد الإدارات هي أسرع وانسب وسيلة لتنفيذ الخطط والبرامج!.
واقترح الدكتور الزعيم أن يتم بلورة هدف يتناسب مع رؤية سورية المستقبلية لكل منظمة (منظمة هو مصطلح إداري عن كل مجموعة ذات عمليات منظمة وهيكل إداري واضح وتعمل نحو هدف معين) وأن يتم بناء على ذلك تحليل قدرات الأفراد والهياكل وتوصيف الفجوة والتي لاحقاَ يتم أخذ القرار بحلها عبر تصميم برنامج تدريبي يجسر الهوة المهارية والمعرفية، وخلق فريق عمل مختص لإيجاد حل مناسب، والعمل على إيجاد استشاري مختص لحلها، وضرب مثالاً توضيحياً ” عند وضع تصور لبنك ما لجهة تحسين رأس المال بنسبة 50% فلا بد بناء عليه وبعد سبر المهارات والمعارف والسلوكيات المطلوبة من كل منصب إداري/موظف إداري أن يكون الموظفين متوجهين نحو تلك الرؤية (مثل موظفي العلاقات العامة أن يكونوا ممن يجيدون لغات أكثر ومهارات حاسوبية أفضل وسلوكيات للتعامل مع العملاء وجذبهم نحو برامج البنك وخدماته …الخ) أو إيجاد مناصب جديدة ولابد من إعادة تصميم الهيكل التنظيمي أو تنظيم السياسات أو تخطيط إجراءات العمل، وبناء عليه يتم تصميم حزمة برامج وخدمات تلبي توجه البنك نحوا هذه الرؤية.
ماذا نحتاج للمستقبل؟
وبخصوص ما تحتاجه سورية، وما هو المطلوب لتنمية الموارد البشرية بشكل صحيح؟
أوضح الدكتور الزعيم أن العمل في هذا الحقل يحتاج للكثير من الجهد والتعب للوصول إلى الهدف المنشود، وحدد مجموعة مقومات يمكن الانطلاق منها تتمثل بـإيجاد هيئة ناظمة تحلل وترصد وتخطط وتدير عمليات الاستجابة، وإصدار قوانين ناظمة تستجيب لتحديات العصر وتنظم مهنة التدريب منعاً للفوضى، ويحبذ إحداث نقابة خاصة بمختصي العمل في حقل بناء القدرات للتصنيف والتوجيه والحماية والتقييم، ودعم ذلك بموازنات خاصة في إطار بناء القدرات والتحول نحوى رؤية سورية الجديدة.
بالمختصر، الاستثمار بالعنصر البشري هو الاستثمار الأجدى، لذا لا بد من العناية به، فهوا أساس بناء الحضارة والتنمية بعلمه ومهارته وقدراته ومما يميز سورية، أنها دولة تزخر بجيل الشباب بمختلف الفئات العمرية، وهم بمجملهم دعائم المستقبل الزاهر.
• غسان فطوم