الدراما العربية.. هل تحقق ما عجزت عنه السياسة؟!
برزت في السنوات العشرين الأخيرة ظاهرة الدراما العربية المشتركة التي سعت لكسر جدار المحلية في أغلب الدول العربية، لكن إرهاصاتها الأولى تبلورت في الدراما السورية التي سطع نجمها أواخر القرن الماضي وأصبح حضورها ملحاً في معظم المحطات التلفزيونية العربية، وبدأ نجم الممثل السوري يلمع إعلامياً في الوسط العربي، وهكذا تحولت الدراما السورية إلى عنصر جذب للكثير من الفنانين العرب وصناع الدراما أيضاً نظراً لحضورها الجماهيري على مستوى البلاد العربية والإقبال التلفزيوني على شراء تلك المسلسلات.
تطورت هذه الظاهرة بشكل متسارع خلال الأزمة السورية نظراً لانعكاس التورط العربي، في الحرب على سورية، سلباً على الفن السوري بمختلف أشكاله، فكانت الحاجة للاستعانة بفنانين عرب لكسر الطوق والتغلغل إلى السوق من خلال وجوه عربية معروفة، ولاسيما اللبنانية منها، نظراً للتقارب الجغرافي والثقافي والاجتماعي و”اللهجة” في المقام الأول مع مقومات الفن الدرامي السوري، فكان تطعيم الدراما السورية بفنانين لبنانيين ملحاً من الناحية التسويقية بالدرجة الأولى، قبل الحاجة للتوظيف الدرامي، والعكس صحيح أيضاً، حيث استعانت الدراما اللبنانية بنجوم سوريين للاستفادة من حضورهم العربي.
تطور هذه الظاهرة، واستساغتها جماهيرياً، جعلها تتخطى الحالة التسويقية لتصل إلى مستوى التكامل الفني والإبداعي، الأمر الذي عجزت عن تحقيقه السياسة والاقتصاد العربيين معاً، ولاسيما في الموسم الرمضاني الحالي، حيث يندر أن تشاهد عملاً تلفزيونياً محلياً صرفاً، خاصة في الدراما السورية التي استفاد صناعها من ظروف المقاطعة الأخيرة للتأسيس لحالة جديدة في الدراما المشتركة تبدأ مع أول سطر في كتابة النص إلى آخر مشهد في “اللوكيشن” وهي حالة تواكب التطور في وسائل التواصل التي قاربت بين الشعوب والقوميات أكثر فأكثر، وجعلت معوقات اللهجة تتبدد أمام التقارب الاجتماعي الذي حققته تلك الوسائل.
ورغم أن تلك الأعمال لاترتقي إلى السوية المرجوة كدراما مشتركة، لكنها تبقى نواة لظاهرة صحية يمكن البناء عليها للتحضير لمشاريع كبيرة تحمل الهوية العربية بتنوعها وشموليتها، فالشراكة التي بدأت مع اللبنانيين تطورت لتشمل العراقيين والجزائريين والأردنيين وغيرهم هذا العام، سواء وجد المبرر الدرامي لوجودهم كمسلسل ورد أسود للمخرج سمير حسين مع الممثلين الجزائريين، أو في مسلسل مقابلة مع السيد آدم للمخرج فادي سليم مع الممثلة المصرية منّه فضالي، أو لم يوجد كمسلسلي الحب جنون للمخرج أحمد إبراهيم والساحر للمخرج عامر فهد سيناريو وحوار حازم سليمان في الشراكة مع ممثلين لبنانيين، ويوماً ما للمخرج عمار سهيل تميم مع العراقيين والتونسيين، ومسلسل أحلى الأيام للكاتب والممثل طلال مارديني والمخرج سيف الشيخ نجيب مع ممثلين مصريين وخليجيين، وهو الجزء الثالث من مسلسل أيام الدراسة الذي انتقل من المحلية الضيقة في جزأيه الأول والثاني إلى الفضاء العربي في الجزء الثالث لمجاراة الموجة الجديدة، وفي مسلسل سوق الحرير لبسام ومؤمن الملا. هذا إلى جانب العديد من المسلسلات المشتركة التي لم يتسن لها بلوغ الموسم الرمضاني الحالي بسبب جائحة كورونا التي عرقلت إتمام التصوير. وبالنتيجة فإن الفضل الأول في التأسيس لحالة جديدة تتلاقح فيها الخبرات والفضاءات الاجتماعية العربية يعود إلى صناع الدراما السوريين الذين اشتغلوا على مهنتهم من منطلق قومي قبل الوطني المحلي. وهي الطريق الصحيح الذي يؤدي بالنهاية إلى نقلة نوعية نحو الإقليمية، والأهم من كل ذلك إزالة الحدود التي خطتها السياسة وعجزت عن محوها من جديد.
آصف إبراهيم