دراساتصحيفة البعث

الملحمة الحزينة لسياسة أمريكا اللاتينية

ترجمة: سمر سامي السمارة

عن موقع: غلوبل ريسرتش 8/5/2020

في خضم جائحة عالمية هائلة، أدت لمقتل عشرات الآلاف من الناس وانهيار الاقتصادات في جميع أنحاء العالم تاركة الملايين عاطلين عن العمل، حاول بعض المرتزقة المدعومين من حكومات معينة- في الثالث من شهر أيار- غزو فنزويلا، الدولة المستقلة ذات السيادة. تم تدريب المرتزقة، الذين هبطوا على ساحل ماكوتو بالقرب من العاصمة الفنزويلية كاراكاس، في كولومبيا المجاورة. إلا أن الجيش والشرطة في كاراكاس تمكنوا من إحباط الغزو وقتل العديد من الغزاة وأسر البعض. اعترف الأسرى الأمريكيون على شاشة التلفزيون الفنزويلي بأن هدفهم لم يكن فقط الإطاحة بالحكومة المنتخبة بصورة قانونية، بل اغتيال الرئيس نيكولاس مادورو أيضاً. تجدر الإشارة إلى أن محاولة الانقلاب التي قام بها أحد زعماء المعارضة السياسية في العام 2019  باءت بفشل ذريع. وهو الحال نفسه في الانقلاب على الرئيس الراحل هوغو تشافيز في العام 2002، حيث أعاد الناس تشافيز إلى كرسي السلطة من خلال التعبئة الجماهيرية، وكان ذلك أهم تعبير درامي ينم عن “قوة الشعب” الحقيقية. إن الانقلابات التي دبرتها وهندستها الدولة العميقة في الولايات المتحدة في كثير من الأحيان بتواطؤ مع حلفائها في المنطقة ضد القادة الذين يحرصون على الحفاظ على استقلال بلادهم والدفاع عن سيادة شعوبهم، هي الملحمة الحزينة لسياسة أمريكا اللاتينية، إذ تتعرض العديد من الحكومات لهذا التلاعب على مدى عقود. كان أحد أهم الأمثلة الشائنة الإطاحة برئيس تشيلي سلفادور أليندي في 11 أيلول 1973، وكان آخرها الإطاحة برئيس بوليفيا إيفو موراليس في تشرين الثاني 2019. يمكن القول بأننا لسنا بحاجة للتذكير بأن فيدل كاسترو كان هدفاً لمثل هذه المحاولات الفاشلة خلال قيادته الطويلة. وكوبا هي أيضاً مثل فنزويلا ضحية للعقوبات الاقتصادية الشاملة التي فرضتها الولايات المتحدة، وكانت نتيجتها تدمير للاقتصاد والمزيد من معاناة الشعب على حد سواء. ولكن على الرغم من هذه العقوبات الظالمة، تمكنت كل من كوبا وفنزويلا من حماية شعبهما في مواجهة وباء الفيروس التاجي، وحققتا أداء أفضل بمليون مرة من الدولة التي فرضت عليهما العقوبات التي سجلت لوحدها حتى الآن أكبر عدد من الوفيات والمصابين في العالم. لم تقتصر جهود كوبا في الحفاظ على عدد منخفض من الإصابات فحسب، بل قدمت أيضاً مساعدة طبية سخية متمثلة بأفراد ومعدات طبية إلى العديد من البلدان بما في ذلك بلدان أوروبية لتمكينها من مكافحة الوباء. ومن جانبها استطاعت فنزويلا حماية نفسها من الوباء إذ إنه حتى الرابع من الشهر الحالي لم يتجاوز عدد الوفيات فيها الـ 10 حالات، و 357 إصابة. وإلى جانب المساعدة من كوبا، استفادت فنزويلا أيضاً من توفير المعدات اللازمة وتعاون الموظفين العاملين في القطاع الصحي من الصين وروسيا. شجع نجاح هذا التعاون الرئيس مادورو على اقتراح القمة الافتراضية الأخيرة لحركة عدم الانحياز من أجل تنظيم توزيع المعدات الطبية والأدوية بين الدول الأعضاء، واقترح إمكانية إنشاء صندوق إنساني دولي لهذا الغرض يهدف بشكل أساسي لتمويل وشراء الأدوية والمعدات الطبية لدول أعضاء حركة عدم الانحياز الأكثر فقراً ورعاية الأطباء والممرضات إذا دعت الحاجة. عندما تشارك حركة عدم الانحياز بشكل مباشر في برنامج ملموس من هذا النوع في حالة الطوارئ، لا شك أنه سيكون لها دور حقيقي، لذا ينبغي متابعة الاقتراح الفنزويلي حتى يصبح واقعاً، لأن المظاهر الفعلية للتعاون هي التي ستجمع الناس في حقبة ما بعد الفيروس التاجي وترسي الأساس لحضارة عالمية عادلة ورحيمة.