وزارة “حماية المستهلك” على محك إثبات الوجود واستعادة الدور!
تتجه الأنظار إلى التغيير المرتقب المرافق لتغيير وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، لعلّه يحمل في جعبته ما يفكك الآليات والممارسات السابقة التي ساهمت الوزارة فيها بشكل أو بآخر بتحول السوق السورية إلى بورصة يومية دون ضوابط تتأرجح أسعارها برغبة تجارها، ضاربة عرض الحائط بمهامها ودورها في حماية المستهلك وضبط الأسواق والأسعار تحت عباءة بضعة تقارير لم تفلح في ردع أحد، وتدخل خجول لمؤسسة بمكانة “السورية للتجارة” الخاضعة بشكل مباشر لأسعار السوق، بل سبحت مع تيار ممنهج أسّسه التجار لقيادة الأسواق والتحكم بتحركها وفق ما تقتضيه مصالحهم وجشعهم. وعلى الرغم من العديد من القرارات والمبادرات التي عُمل بها إلا أنها لم ترقَ إلى مستوى سلطة عليا كوزارة التجارة الداخلية، وكانت بمثابة هواجس حالم بالخروج من واقعه، والكثير من السلبيات التي عايشها المواطنون منذ بداية الأزمة إلى اليوم تشي بالفشل في قيادة الدفة إلى شواطئ الأمن والأمان الغذائي وتفكيك حلقات الوساطة وإخراج لقمة عيش المواطنين من رهانات التجار.. فالوزارة اليوم في رهان حقيقي مع ذاتها أولاً في إعادة هيبتها وتعافي مفاصلها من الترهل والفساد، لتسعى ثانياً إلى بسط نفوذها في تحريك الأسواق وفق قرارات وتوجهات باتت ملحة توافق متطلبات العيش الكريم وضرورة وجودها.
ككلّ متكامل
ومن المعروف أن إمكانية الإصلاح المنشود في مسار عمل الوزارة تتطلّب معالجة شاملة للعديد من الملفات والجوانب المتشعبة والتي تقع على عاتق الحكومة بأكملها، وما الوزارة إلا ذراع التنفيذ، سواء تلك التي تتعلق بألف باء الإنتاج (الفلاح والصناعي)، أو تقديم الدعم الحقيقي بما يتعلق بالمستوردات من لوازم عملهم تضمن تدفق السلع دون قفزات سعرية في الأسواق أو خسارتهم المحققة نتيجة فارق التكلفة وسعر المبيع. وهناك الكثير من الأمثلة لاتزال تشهدها السوق السورية ولا داعي لذكرها، وليست انتهاءً بآليات التسعير وما بعد التسعير من رقابة تتطلّب وجود كوادر متخصّصة خبيرة في دراسة وحساب الكلف الحقيقية، بالتوازي مع نظم عالية الدقة تحكم القبضة على مسار السلعة وضمان وصولها إلى المستهلك بأسعار مدروسة، يسبقها إحكام منافذ التهريب والجمارك وإصلاح ضريبي وضبط سعر الصرف للوصول إلى آلية تسعير صحيحة تتشارك فيها جميع الجهات المعنية، فالتسعير آلية تشاركية تتدخل بها وزارات عدة كالصناعة والزراعة والنقل والمصرف المركزي، لذلك قد تكون البداية براقة لجهة تعاون يبديه بعض التّجار مع الوزير البرازي، إلا أن الأمور سرعان ما تعود إلى سابق عهدها.
إعادة التجربة
وكي لا نبدّد جرعة التفاؤل المرافقة للتغيير وتجريد الوزارة من أدواتها التي قد تحدث فارقاً من خلال إدارتها بعقلية جديدة، يشير بعض خبراء الاقتصاد إلى مفاتيح ذهبية تمنح الوزارة قدرة لتفعيل دورها في وجه التحكم الشرس في الأسواق، وتبدأ بتفعيل “السورية للتجارة” بشكل واقعي لتكون حلّ معادلة كسر حلقات الوساطة وتخفيض الأسعار باعتمادها آليات وساطة مباشرة بين المنتج والمستهلك. واقترح الدكتور علي كنعان التفكير بإعادة تطبيق تجربة عام 1986 وذلك عندما فرضت عقوبات على سورية حيث عولج الأمر بترشيح غرف التجارة لصغار التّجار حصراً لاستيراد كميات قليلة من الدول المجاورة فقط تكفي السوق المحلية وبهوامش ربح ضئيلة، فصغار التّجار وضمن المراقبة الدقيقة لا يرفعون أسعار مستورداتهم بشكل عشوائي إنما تطرح بالأسواق بنسب ربح محددة ومدروسة جداً، الأمر الذي خفّف من انعكاسات الأزمة آنذاك، ولم تتمخض عنها موجة غلاء كبيرة كما هو حاصل الآن، واستطاعت الحكومة في ذلك الوقت تجاوزها بشكل أفضل، أما اليوم فيتم تخصيص إجازات الاستيراد لكبار التّجار الذين لا يقبلون بنسب ربح محددة أو منطقية، حيث تجاوز الربح في بعض السلع 200% وأصبح التسعير عشوائياً والأرباح خيالية تجاوزت العرف الاقتصادي، وهذا إن دلّ على شيء إنما يدلّ على غياب الرقابة من قبل المصرف المركزي ووزارة المالية أو التجارة الداخلية وحماية المستهلك، إذ تكتفي اللجان الموجودة بقبول أوراق المستوردين دون التدخل بفرض أسعار تتطابق مع سعر الصرف الممول به، كما أن ذراع التدخل الإيجابي الممثل بالسورية للتجارة غفلت عن دورها في تطبيق سياسة تسعير عادلة للسلع المستوردة من خلال دراستها لأسعار السلع في بلد المنشأ وسعر السلع المحلية، وتبعت التجار في أسعارهم واستندت إلى أسعار الأسواق رغم ارتفاعاتها غير المبررة معتمدة إياها أساساً لحساب نسبة التخفيض في صالاتها، لاغية بذلك دورها في التسعير والرقابة، مكتفية بالضبوط التموينية باعتبارها حلاً رادعاً رغم أنها وبالاعتماد على حالة الأسواق الراهنة فقدت أثرها كاملاً في ضبط حالة فلتان الأسعار.
رقابة داخلية
يكمن الحل برأي كنعان باعتماد رقابة داخلية من التّجار أنفسهم لتصبح الرقابة على الأسواق أفضل، أي إعطاء غرف التجارة وغرف الصناعة صلاحية في تسعير السلع والاستيراد وبالتالي تطبيق رقابة من هذه الغرف على التجار المستوردين كونهم الأقدر على معرفة كافة التفاصيل والنفقات في ظل غياب الفاتورة النظامية التي تخول البعض تضخيم النفقات، وبالتالي إضافتها إلى تكلفة إجازة الاستيراد مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير، وساق مثلاً على ذلك سعر مادة المازوت التي سُمح باستيرادها من قبل غرفة الصناعة وبقيت بحدود 300 ليرة، وتضمن هذه الآلية المنافسة بين التّجار للحصول على فرص الاستيراد من جهة وتأمين منتجات بأسعار مناسبة من جهة ثانية.
فاتن شنان