ثقافةصحيفة البعث

إيناس محمد: لا بديل عن خشبة المسرح!!

من بين الكثير من النوافذ المنبثقة من شاشات الجوالات اللامعة، تمرّ إحداها برشاقة واختلاف يشد الانتباه، مقطع تمثيلي مسرحي، تؤديه ممثلة ومسرحية ولهة بالخشبة وعوالمها، لكنها وجدت في الحظر الذي سببه كورونا متنفساً لشغفها الذي تحب، وذلك من خلال تقديم بعض المونولوجات الإيمائية والناطقة بأداء مسرحي بارع، لفتت انتباه الكثير من عشاق هذا الفن الذي يمرّ بأسوأ مراحله، ليس بسبب الفيروس الجديد وما سببه من توقف لمختلف النشاطات الفنية بأنواعها محلياً وعالمياً، بل لأسباب عديدة، ليست تلك النافذة المنبثقة من الشاشة إلا واحدة من أخطر تلك الأسباب.

قضت مرحلة طفولتها في ريف دمشق، ثم انتقلت إلى طرطوس “المحافظة الأم” – كما تسميها – درست الهندسة الزراعية في جامعة تشرين، رغبة التمثيل لم تكن حديثة لديها، خصوصاً أنها نشأت في بيت تكتظ جدرانه بكتب متنوعة المذاهب والأفكار الفنية والفلسفية والفكرية، تقول عن تلك المرحلة: “منذ مراهقتي كانت تقع في يدي كتب الفلسفة وعلم الاجتماع بحكم أن والدي خريج هذا القسم، ومن يخوض غمار النفس البشرية لابد أن يتشكل في داخله فضول الخوض في تفاصيل كل حالة بشرية وتمثيلها، أو على الأقل هذا ماكنت أشعر به أنا” الحرب وظروف الدراسة جعلت الحلم بعيداً، دمشق مدينة الفن كانت تعاني لذا قررت أن تقصد مسرح طرطوس القومي لتقدم نفسها “كعاشقة للتمثيل” راغبة في الخضوع للتدريب إن وجد.

“البعث” التقت الفنانة المسرحية أيناس محمد:

دعينا نبدأ من توجهك المسرحي الأخير، حيث تقومين بالإطلالة من صفحتك على مواقع التواصل الاجتماعي وأنت تقدمين مونودراما بأداء مسرحي جيد، ما الذي دفعك لاستبدال الخشبة المقدسة في المسرح، إلى مسرح آخر مختلف تماماً عن المسرح الكلاسيكي؟.

بداية أنا لم أستبدل خشبة المسرح بغرفتي الصغيرة، لأن خشبة المسرح لا يمكن أن يكون لها بديل، لها خصوصية وحالتها خاصة جداً، وهذا لا يمكن أن تقدمه أو تعوض عنه الكاميرا، لكن فترة الحجر المنزلي والطاقة الموجودة داخلي، سمحت لي أن أستعير بخجل أرضية غرفتي للتعبير عن مونولوجات مسرحية كتبتها ببساطة، وأحببت مشاركتها مع أصدقائي على صفحتي الشخصية على الفيسبوك.

كما ذكرت سابقاً لا شيء يعادل خشبة المسرح، كاميرا (موبايلي) الذي صورت به المونولوجات، لا يمكن لعدستها هي وغيرها، أن تنقل إحساسك بالفخامة التي تصنعها الخشبة، وربما تبدو الحركة المسرحية أمام شاشة الموبايل مبالغ بها، أما خشبة المسرح الرحبة فهي تستوعب حركتك الواسعة وصوتك العالي والانفعالات الحادة بعض الشيء، وهذا فرق جوهري ومهم.

تجربتك في بدايتها وهي ليست بالتجربة الجديدة في العالم، لكنها محلياً رائدة، ألا تعتقدين أن تجربتك والتجارب المشابهة تعلن صراحة موت المسرح؟

لا أعلم إن كانت تجربة رائدة، أو مميزة وحتماً هي لا تعلن موت المسرح، المسرح لا يموت ربما يمرض ويصيبه الإنهاك في ظروف صعبة على مختلف الصعد، لكن بالتأكيد بهمة محبيه لابد أن يتعافى عاجلاً أم آجلاً.

عدا عن الأداء التمثيلي الجيد الذي ظهرت فيه، أنت تملكين حساً أدبياً جميلاً، تصيغين الحكايات بلغة رشيقة وأسلوب مشوق، أين أنت من الكتابة للمسرح؟

الكتابة مازالت هواية، أنا لست محترفة والكتابة المسرحية تحتاج إلى ذهن حاضر جداً ومحاكاة غير مباشرة وذكية للواقع، عدا عن أن النصوص المسرحية تحتاج سقفاً عالياً من الحرية لتبدو بالجودة المطلوبة، وهذا حالياً كما نرى غير موجود، ولكني استخدم موهبتي المتواضعة في الكتابة لخدمة ما أُقدمه من مونولوجات قصيرة أمام عدسة الجوال، وربما يوماً ما سوف أحقق نصاً مسرحياً يستحق عظمة الخشبة، ربما.

ما الذي يجمع بين الهندسة باعتبار أنك درست الهندسة وبين المسرح في فضائك أنت؟

الحقيقة لا شيء يربط دراستي وحبي للفن، على الرغم من أنني اعتقد أن الفن يتصل بكل جوانب الحياة.

ليس طريقاً سهلاً بالتأكيد، ويبدو أن الخيبات كانت تنتظرك، هذا في المسرح، ماذا عن التطلع للتلفزيون والسينما؟

الخيبات موجودة دائماً وأبداً ولن تنتهي، أكيد مثل كل شخص حالم أتمنى أن أحظى بفرصة أظهر فيها بأفضل ما أستطيع تقديمه، السينما ليست بعيدة عن المسرح، فهي ذاكرة البلد الحضارية التي ستبقى، رغم أن الإحساس الذي تمنحه الخشبة للممثل هو إحساس مختلف ولا يوصف، لكن السينما جميلة أيضاً وحلم لكل من يحب الفن بكل أشكاله. التلفزيون كما تعرف هو الوسيلة الأسرع لتحقيق الانتشار، وأي شخص في بداية طريقه لن يضيع أي فرصة تضيف له ما يخدم هدفه الأسمى.

بغض النظر عن الكورونا، كيف تقيمين الحالة المسرحية المحلية؟

سؤال محرج.. أنا لست مسرحية عتيقة ولا يحق لي تقييم المسرح في الحالة الراهنة، لكن كمتابعة مثل بقية المتابعين للمسرح، يبدو تماماً أنه ليس في عصره الذهبي ولا حتى الفضي والأسباب كثيرة.

بالنسبة لما قمت به على مواقع التواصل الاجتماعي، هل تفكرين بالمتابعة بشكل محترف؟

** لا، لا يمكن أن يكون الموبايل وسيلة للعمل الاحترافي، كما قلت ما فعلته هو مجرد تنفيس عن طاقة تمثيلية داخلي، لكن وسائل التواصل تعطي مساحة حرية جيدة للتعبير عن أي شيء تريد طرحه وكل ما خطرت في بالي فكرة سأحاول مشاركتها ضمن الإمكانيات المتواضعة المتاحة.

من يشدك من المسرحيين عموماً، وماهو الدور الذي تودين تقديمه مسرحياً؟

كل ممثل صاحب أداء مسرحي متميز يلفتني، وربما تستغرب إجابتي بخصوص الشق الثاني من السؤال، لكني أتمنى تأدية شخصية “كاليغولا”، تشدني كثيراً بتفاصيلها، وتغريني أن أقدمها حتى لو كانت شخصية من الجنس الآخر.

تمّام علي بركات