أردوغان يكثف ممارساته القمعية لإنقاذ شعبيته المتآكلة
يسعى رئيس النظام التركي رجب أردوغان إلى إنقاذ شعبية حزب العدالة والتنمية المتآكلة عبر تحجيم أصوات المعارضة مكثّفاً ممارسات القمع ضد كل من يشكلون خطراً على هيمنة حزبه في الانتخابات القادمة، في ظل تقلص مناصري الحزب الحاكم وتراجع حظوظه السياسية في البلاد، خصوصاً بعد فشله المتكرّر في إدارة الأزمات، لاسيما أزمة فيروس كورونا، التي فاقمت المشاكل الاقتصادية المتراكمة نتيجة السياسات الخاطئة التي نتهجها حكومة أردوغان.
وسلّط استطلاع رأي حول شعبية الأحزاب السياسية في تركيا الضوء على تراجع شعبية حزب العدالة والتنيمة 10 بالمئة، حيث بات نحو 25 بالمئة من المصوّتين له غير مؤيدين له ولسياسة أردوغان، وفق الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة “ماك” للدراسات المجتمعية، والتي أشارت إلى أن الدعم الذي يحصل عليه حزب العدالة والتنمية تراجع إلى 32 بالمئة فقط، فيما أعرب معظم المستطلعة آراؤهم عن عدم رضاهم عن التدابير الاقتصادية التي اتخذتها سلطات النظام التركي لمواجهة فيروس كورونا حيث أيدها نحو 36 بالمئة فقط.
من جهته قال رئيس مجلس إدارة الشركة المنظمة لاستطلاع الرأي محمد علي كولات إن “نسبة غير المستقرين على رأي سياسي في استطلاعات الرأي الأخيرة بلغت 12.9 بالمئة”، مضيفاً إن “10 بالمئة من هؤلاء كانوا من بين الداعمين لحزب العدالة والتنمية في وقت سابق” لافتاً إلى أن العديد من المستقيلين من عضوية حزب العدالة والتنمية انتقلوا إلى صفوف أحزاب أخرى مثل الخير والمستقبل والديمقراطية والتقدّم.
وفي هذا الإطار رأى مسؤول بارز في حزب الشعوب الديمقراطي أن حكومة أردوغان لم تتراجع عن ممارسات القمع التي تستهدف بالأساس المعارضين والمنتقدين، حتى في الظروف الاستثنائية التي تتطلب تكاتف الجهود بين الفرقاء السياسيين لمواجهة تفشي الوباء، فيما أكدت زعيمة “الحزب الجيد”، مارال أكشانار، أن أردوغان قضى على الديمقراطية ودمّر الاقتصاد في تركيا بعد سيطرته على جميع مؤسسات الدولة، مشيرة إلى “الأخطاء التي ارتكبها أردوغان على صعيد السياستين الداخلية والخارجية وبشكل خاص في سورية”.
ويستمر النظام التركي في قمع حزب الشعوب الديمقراطي المعارض لأردوغان بذريعة ارتباطه بحزب العمال الكردستاني، التي تزعم أنقرة أنه منظمة إرهابية، وهي التهمة التي تتخذها لاعتقال المعارضين والمنتقدين، حيث يقبع خلف قضبان السجون التركية آلاف من المعارضين السياسيين.
وقال النائب التركي سيزاي تميلي، والرئيس المشترك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي، بعد يوم من اعتقال رؤساء بلديات منتمين لحزب الشعوب الديمقراطي المعارض، إن “الحكومة التركية لم تعلّق سياستها الشريرة حتى في ظل ظروف جائحة كورونا”، مؤكداً أنها “تستخدم وباء كورونا كفرصة لممارسة مزيد من القمع بحق المؤسسات الديمقراطية وبلدياتها على وجه الخصوص”، وأضاف: “إننا نكافح ضد فيروسين في وقت واحد هما كورونا والسلطة العنصرية”، مناشداً “المجتمع الدولي والأمين العام لمجلس أوروبا ومؤتمر السلطات المحلية والإقليمية ولجنة مناطق الاتحاد الأوروبي والأحزاب الشقيقة وجميع أصدقاء الديمقراطية لاتخاذ إجراءات ضد السياسات العنصرية للحكومة التي تحاول ترسيخ نظام الوكلاء باعتباره الوضع الطبيعي الجديد في البلاد”.
وعزلت السلطات التركية الجمعة 5 رؤساء بلديات تابعين للحزب المعارض وعينت بدلهم وصاة منتمين لحزب العدالة والتنمية.
ووصف تميلي قرار الحكومة التركية تعيين ضباط وكلاء مؤيدين لها في رئاسة خمس بلديات بدل رؤساء من الحزب المعارض ومحاصرة الشرطة لمقراتها، بـ”الاستعمار والاحتلال”، وندد بالممارسات غير القانونية التي تتخذها حكومة أردوغان لتمديد نفوذها بعزل رؤساء البلديات دون وجود قرار من المحكمة، مشيراً إلى أن العزل والاعتقال هي مجرد إجراءات إدارية ينفذها وزير الداخلية، وأكد أن مؤسسة أردوغان تعزل رؤساء البلديات وتعتقلهم بذريعة تهم الإرهاب الجاهزة للتغطية على جرائمها ولصرف أنظار المجتمع الدولي عن ممارساتها الخارجة عن القانون وتبرير القمع.
واعتقلت تركيا الجمعة، وفق ما أكده تميلي، الخمسة من رؤساء البلديات من أصل 21 آخرين فازوا في الانتخابات البلدية لسنة 2019، فضلاً عن العشرات من رؤساء البلديات السابقين المنتمين للحزب والفائزين في انتخابات 2014.
وكسب الشعوب الديمقراطي، خلال انتخابات 2019، 71 بلدية مختلفة في تركيا، ما يشكل منافساً حقيقياً لحزب أردوغان وتهديداً لبقائه أمام تراجع شعبيته بانخفاض مناصريه بسبب فشله في إدارة البلاد التي تعيش أزمة اقتصادية آخذة في التفاقم.
واستطاع الحزب منذ دخول البرلمان التركي لأول مرة في العام 2015 الحصول على 80 مقعداً، وهو ثالث أكبر حزب في تركيا، ولديه في الوقت الحالي 61 نائباً.
ولا يقتصر قمع النظام التركي، في ظل هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد مع ارتفاع إصابات كورونا، على رؤساء بلديات مؤيدين لـ “الشعوب”، بل يمتد إلى صحفيين ومواطنين ومفكرين وكل من ينتقد سياسة أردوغان، حيث ازدادت ممارسات القمع منذ تسلل الوباء إلى البلاد وبعد انكشاف ضعف الحزب الحاكم في إدارة الأزمة وعدم تحمّله حجم الانتقادات التي تنهال عليه.
وبينما أعلن نظام أردوغان، السبت، ارتفاع إصابات كورونا في آخر 24 ساعة إلى نحو 750 ألف بعد تسجيل 1635 حالة جديدة، قدّر خبراء أتراك إصابة 2.1 مليون شخص بالوباء إلى غاية 12 أيار.
بدورها كشفت مؤسسات استشارية تركية خبيرة في المجال الصحي، أنّ العدد الفعلي لحالات الإصابة بكورونا في تركيا، يزيد حوالي 15 مرّة عن الأرقام الحكومية المعلنة، وهو ما أكده أيضاً أوكتاي أوزدمير أستاذ الصحة العامة بجامعة أنقرة.
وفي ظل سرعة انتشار الوباء قرّرت النظام التركي فرض حظر التجول لمدة أربعة أيام، فيما لا تزال الحكومة تواجه انتقادات لاذعة بسبب تراخيها في انتهاج مسار الدول التي اتخذت إجراءات صارمة في مواجهة تفشي الفيروس بالإغلاق التام لحين السيطرة عليه.
ويبدو أن نظام أردوغان، القابع تحت وطأة الأزمة الاقتصادية المتناثرة، مجبر على عدم الإغلاق التام، الذي من المؤكد أن يشل الأنشطة ويفاقم الأوضاع نحو الأسوأ.
وفي ظل استمرار ممارسات القمع، التي يراها البعض أنها امتداد لظلم النظام الحاكم، انتقد مسؤول أوروبي عزل عمد بلديات منتخبين من مناصبهم.
ووجّه مقرر الشؤون التركية في البرلمان الأوروبي، ناتشو سانتشيز آمور، انتقادات لاذعة لأردوغان بسبب ممارسات القمع الأخيرة، مشيراً إلى أن ذلك يعرض الثقة في أسس الديمقراطية للخطر.
وتصنّف تركيا من بين الدول الأكثر قمعاً للصحفيين والمنتقدين والمعارضين في العالم، وباتت اليوم من أكثر بلدان العالم التي تشن حملات اعتقال بحق أتراك، تحت ذريعة الاشتباه في صلاتهم بجماعات إرهابية، حيث طالت حملات القمع الصحفيين والسياسيين وكل من ينتقد سياسات أردوغان.
وذكرت مصادر أن عدد الصحفيين المعتقلين بالسجون هو الأعلى عالمياً، مع تراجع مستمر لقطاع الإعلام منذ الانقلاب الفاشل سنة 2016.