الحرب القادمة وفتيل كورونا
سنان حسن
ربما سّرع تفشي فيروس كورونا المستجد في انفجار العلاقات الصينية الأمريكية، فبعد شد وجذب وصل إلى حد حرب تجارية غير مسبوقة بين البلدين، إضافة لحملة الضغوط التي تمارسها واشنطن على خصومها، وفي الحالة الصينية تمّ استخدام أوراق الإيغور وتايوان وبحر الصين الجنوبي لاستفزاز بكين، ليأتي الفيروس المستجد ويكشف مدى الحنق الأمريكي من الصين، والتخّوف لدى صّناع القرار في واشنطن من التمّدد الصيني، فلا يكاد مسؤول سياسي أو استخباراتي إلا ويحذر من الخطر القادم من الصين، فلماذا كل هذا التصعيد؟ هل هو خشية من تزعزع مكانة واشنطن الدولية، أم أن هناك قضايا أخرى تتعلق بالحسابات الداخلية الأمريكية والصراع الانتخابي المرتقب؟
خلال أزمة تشفي وباء كورونا المستجد، وبسبب الانتقادات المتزايدة لإدارة ترامب في التعامل معه، والتي جعلت من أمريكا الدولة الأولى في العالم بأعداد الإصابات وأعداد المتوفيين، دأب الرئيس دونالد ترامب، وخلال مؤتمره الصحفي اليومي، على توجيه الاتهامات إلى الصين تارة بالاستهتار بالتحذير من خطر الفيروس، وتارة بسرقة العقارات وأبحاث إنتاج اللقاحات، ولكن الخطورة في الموضوع أن يأخذ الاتهام منحى آخر وصل حد وصفه بالفعل الإرهابي “أزمة كورونا أسوأ من هجمات 11 أيلول”، والتهديد بقطع العلاقات بين الطرفين، وبدء الكونغرس سّن تشريعات تمنح ترامب صلاحيات لمعاقبة بكين، ما يعني أننا أمام أمر مبّيت يتعدى الفيروس وانتشاره، فالاتهام الأخير يعني أن دولة كالصين، بمكانتها الدولية، باتت مثل أي جماعة إرهابية تدرجها واشنطن على لائحتها الخاصة بمكافحة الإرهاب؟! أي البدء بتجميد أصولها وأموالها وتغريم كل من يتعامل معها.. أي نحن أمام إشعال حرب بين البلدين، فهل ستكون حرباً عسكرية تقليدية أم أننا أمام نوع جديد من الحروب لم نشهده من قبل؟
لقد شكلت تقينات الجيل الخامس التي تنتجها الصين عبر عملاق التكنولوجيا هواوي نقطة خلاف جوهرية بين الجانبين، حيث تصر الولايات المتحدة الأمريكية أن “G5” تمثّل تهديداً للأمن القومي الأمريكي والاستقرار الدولي”، حسب تصريح لوزير الخارجية مايك بومبيو، وأيضاً التهويل من قيام الدول الحليفة لها بالاستفادة من التجهيزات الصينية لأن كل معلوماتها وأمنها القومي في خطر، وفق ما تروّج له واشنطن، علماً أن كل التجهيزات التي تعمل عليها تلك الدول من الأجيال السابقة من إنتاج شركات أمريكية، بمعنى أن أمريكا يحق لها أن تحتكر المعلومات، في حين أن الصين، التي تنفي أي دور تجسسي لها في موضع التكنولوجيا التي تقدّمها، ممنوع عليها ذلك، ولأجل ذلك فقد عاقبت إدارة ترامب شركة هواوي بحرمانها من الكثير من الامتيازات في الداخل الأمريكي وفرض عقوبات مشددة على الشركات التي تتعامل معها، ما يوحي أن جانب محتملاً من الحرب التي قد تنشب قد يكون تكتولوجياً، لاسيما وأن الصين أظهرت خلال عملياتها للسيطرة على تفشي كورونا المستجد قدرات تكنولوجية فائقة الدقة بالاعتماد على تقنية الجيل الخامس.
تقول قاعدة يونانية قديمة أو ما يسمى فخ ثيوسيديدز: “إن حرباً كارثية ستندلع إذا أصبحت قوة راسخة، شديدة التخوف من قوة صاعدة”، وفي ظل ما نشهده ونراه اليوم من كباش بين أمريكا التي ترفض أن تقاسمها دولة على سيادة العالم من بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وبين الصين الدولة الصاعدة بقوة إلى المسرح العالمي، فإننا أمام مواجهة منتظرة بين الطرفين، ومن يدري فقد يكون كورونا المستجد الفتيل الذي يشّعلها، وربما الطريق نحو عالم جديد.