عقدة “سيدنا”!!
يدان العمل المؤسساتي بالضعف وعدم القدرة على التعامل مع المستجدات بفاعلية، وبأنه مخترق بالفساد والأخطاء والارتجالية التي باتت السمة العامة والصفة الأكثر التصاقاً بالقرارات الصادرة عن المكاتب المسؤولة التي استبدلت الكثير من المصطلحات والمفاهيم الإدارية وجرّتها إلى خنادق مصالحها وبشكل يضمن البقاء على الكراسي، والشواهد على ذلك موجودة، فبدلاً من أن تمتلئ الوزارات والمؤسّسات بالشخصيات القيادية الاستثنائية القادرة على تقديم الأفكار والمقترحات وتنفيذ الحلول، نجد أن العكس هو الصحيح بعد أن شتّت الحضور الأكاديمي الذهنية الوظيفية وحشر القرارات بصيغ نظرية غير قابلة للتنفيذ، كما عملت العقلية الأكاديمية على تغطية إخفاقاتها المتتالية بمصطلح استثنائية الظروف الذي أجاز لها العمل بحرية خارج نطاق المسؤولية والعبث بحياة المواطن بطريقة بشعة، والاستخفاف بهمومه وأعبائه المعيشية بخطاب هزيل غير متجانس مع الواقع وأحوال الناس الحقيقية.
وما يؤلم أكثر ويثير المخاوف والقلق حالة الاستكانة الموجودة داخل مكاتب القرار للأوضاع السائدة في الحياة العامة تحت بنود كثيرة، حيث يمعنُ أصحاب نظرية “المواطن بخير” في تطبيق أقسى السياسات الاقتصادية التقشفية التي اعتمدت مفهوم “عنا أرخص!” البعيد كل البعد عن الحقيقة من ناحية الدخل الشهري للمواطن الذي بات دون أي قيمة شرائية أو معاشية، والشيء اللافت في الحراك الدائر في أروقة الجهات والمؤسّسات المختلفة حول الأوضاع المعيشية عدم موضوعيته وعدم اقترانه بالوقائع واقتصاره على وجهات نظر شخصية تثبت من حيث المضمون البحبوحة المالية التي يعيش في نعيمها من لم يُلذع بعد بقساوة الظروف ونيران الفقر التي تلتهم المجتمع “كالنار في الهشيم”، وهذا ما يشكّل المفارقة الرئيسية التي نحمّلها مسؤولية التدهور المعيشي والحياتي الحاصل نظراً للفجوة الكبيرة بين حياة من يعيش داخل هذه المكاتب وبين من هم خارجها، وهنا نستحضر أحد مشاهد مسلسل “أبو الهنا” الذي يطرح فكرة مشاركة الوزراء والمدراء للموظفين في رحلة النقل العام من وإلى مؤسساتهم ليعيشوا المأساة اليومية بكل تفاصيلها.
وبالعودة إلى التصريحات المسؤولة التي تُسقط – كما يُقال – “ورقة التوت” عن واقع العمل في الوزارات والمؤسسات، خاصة لجهة تداعياتها على المجتمع وصداها الموجع على الناس، لابد من الإشارة إلى أهمية وضرورة إجراء تعديلات سريعة ليس على مستوى الشخصيات القيادية فقط، والتي تعيش عقدة “سيدنا”، وتخاطب وتعمل ضمن حدود هذه العبارة وتفكر وتخطط بعقلية “الدجاجة وحبة القمح”، بل على مستوى منظومة العمل ككل في جميع المجالات.
بالمختصر.. الشخصية الاستثنائية لا تحتاج إلى شهادات عليا أو قدرات خارقة تتخطّى حدود الفكر البشري، بل كل ما تحتاجه الانسجام مع الواقع وقوة الشخصية والقدرة على اتخاذ القرار المناسب، وإمكانية المبادرة المباشرة والاستجابة الذكية مع المستجدات، وضبط الكوادر الوظيفية ضمن منظومة القوانين، والتخلي عن المصالح الشخصية وإستراتيجية من تحت الطاولة ومخاوف الكرسي ولعبة الدوائر التي تحاصر تحركاتهم تحت مظلة التعليمات “من فوق”!!
بشير فرزان