“كورونا” يعري واقعنا الإنساني
إعداد: سمر سامي السمارة
يبدو أنه آن الأوان للمجتمع الدولي والدول التي تعتبر نفسها في المقدمة، أن تفكر ملياً في المرحلة القادمة، أي ما بعد كوفيد-19 الذي عرى واقعنا الإنساني ودق ناقوس الخطر. حيث سيتطلب احتواء ومعالجة كوفيد-19 جهوداً متضافرة، والأهم من ذلك، يتطلب تضامناً اجتماعياً ملحوظاً في عالمنا المنغمس في أزمة صحية كبيرة تمتد إلى جميع مستويات المجتمع.
تدعونا جلسات الإحاطة الإعلامية اليومية، والرسوم البيانية الكمية، والتقديرات، واللوائح، والمبادئ التوجيهية، وقواعد البيانات والملفات الشخصية للمعنيين، ومحاربة “العدو” المجازي إلى التفكير فيما يمكن فعله بعد الفيروس التاجي. على الرغم من أن العالم مازال يحاول أن ينجو من هذا الوباء، إلا أنه لا بد من الشعور بالقلق أيضاً بشأن مدى رغبتنا في العودة إلى ما نعتبره طبيعياً. ويمكننا القول بأن كوفيد -19 أظهر لنا وجود نوع من التضامن داخل المجتمعات، ولكن على العكس من ذلك، فهناك أيضاً أمثلة في هذا الوقت الحرج عن العنف ضد المرأة، والهجمات العنصرية ضد أولئك المنحدرين من أصل آسيوي، واختزان الموارد المحدودة، والاستخدام المدمر للمقامرة في سوق الأسهم المالية، بالإضافة إلى احتمالية اختبار اللقاح في أفريقيا. يقدم الأطباء والممرضات والعديد من المهنيين والعاملين في المجال الصحي خدمات صحية عامة بشكل استثنائي. وفي الوقت نفسه، فإننا نواجه الحقيقة المحزنة من أن الكثير من الأشخاص الذين يقدمون الخدمات الضرورية يتم تعويضهم بشكل ضعيف، ولا سيما الأشخاص الذين يعملون في مساكن كبار السن، ودور الأطفال. في هذا السياق، أصبح من المفيد التشديد على ثلاث مشكلات وضعت الأساس للأزمة الحالية وما يُسمى بخطوط الصدع المجتمعي، وهي عدم المساواة الاجتماعية، والتعنت البيئي، والجشع الاقتصادي.
1- عدم المساواة الاجتماعية: يشمل هذا الصدع التفاوتات الاجتماعية، والفقر بين الأجيال، والعنصرية، والعنف ضد المرأة، ورهاب الأجانب، والتمييز من كل الأنواع. لذا فإن دراسة لظروف الحياة والفرص ومؤشرات الصحة والتعليم والتمييز المرتبط بشعوب الأمم الأولى يعني الاعتراف بأنه في عام 2020 ، كانت تصرفات ومعتقدات الدول المتقدمة مدمرة للغاية على الرغم من أنها لا تتدخل في الكثير من الأحيان في السرد السائد للتنمية المجتمعية، مثل مواضيع قتل الإناث والانتحار بما في ذلك، على وجه الخصوص، بين العسكريين والمحاربين القدامى في بعض الدول والتشرد. من هنا يجب النظر في مجموعة من التفسيرات المحتملة لسبب عدم قيام المجتمع بدراسة ومعالجة هذه الظروف والمشكلات بشكل كامل، بما في ذلك الإهمال وسوء النية والجهل وضعف قرارات السياسة والتهميش المخطط أو حتى الإبادة الثقافية في حالة الأمم الأولى.
2- التعنت البيئي: في هذا المجال تدق الساعة نحو الدمار البيئي والكارثة، إذ يمكننا أن نلاحظ التغيرات التي يشهدها كوكبنا مع ارتفاع درجة حرارة المناخ، ووصول المحيطات إلى مستويات غير متوقعة، وتدمير الغابات، وتبدد الشواطئ، واختفاء الجزر وذوبان القمم الجليدية في المياه المجمدة مرة واحدة. ما يعني أننا نفقد الأنواع والأراضي والثقافات واللغات الأصلية، ونمهد الطريق للاجئين البيئيين والصراعات والمجاعات. لذا فإن تفضيل التنمية الاقتصادية والحرب وهياكل السلطة غير المستدامة على المشاركة، والمشاركة الجادة والشاملة مع جميع أولئك الذين يسكنون ويتبادلون كوكبنا تركتنا ضعفاء للغاية. كما أنها تحرض الناس والدول والمناطق ضد بعضها البعض.
3- الجشع الاقتصادي: تعمل أسطورة “اربطوا أنفسكم بوسائل التقدم” بشكل أفضل عندما يكون المجتمع مُصمَّماً لتحطيم التفاوتات الطبقية وعدم المساواة وغير مبالٍ تجاه هياكل السلطة المهيمنة. لكن البيانات حول تنقل الطبقة الاجتماعية يظهر أننا بحاجة إلى السؤال بجدية الاعتقاد بأن الرأسمالية يمكن أن تعمل وستعمل لصالح الجميع. وإذا كنا جميعاً في هذا الأمر معاً، فيجب القضاء على تراكم الثروة من خلال الوسائل الشائنة والعبودية والاستعمار والامبريالية والتواطؤ النخبوي. وهنا اللجوء إلى التنوع في كتابة القواعد وإنتاج وسائل الإعلام لتحقيق الاندماج الاجتماعي على نطاق واسع أمر ضروري. دعنا نتساءل: من هو المستفيد من البنوك الخارجية؟ من الذي يدفع الضرائب ومن يستفيد من التأجيلات الضريبية والائتمان؟ لماذا تدعم عمليات الإنقاذ البنوك والمستثمرين والمضاربين بدلاً من أولئك الذين يكافحون لتوفير احتياجاتهم الأساسية؟ من يذهب إلى السجن، الذي يخضع لسيطرة مفرطة، ولماذا نادراً ما تتم مراقبة الفساد ومعاقبة الفاسدين؟. على الأقل لقد تم تسليط الضوء من خلال هذا الوباء على أن الحد الأدنى للأجور غير إنساني، ولا سيما عند النظر في الثروة والامتيازات التي يستحوذون عليها من يشكلون واحداً بالمئة على هذا الكوكب.
في خضم الوباء، يبدو أنه لدى الكثير من الناس في جميع أنحاء العالم شهية من أجل تنظيم اجتماعي متغير ومجتمع ونظام عالمي جديد. يمكن أن يعني ذلك حضارة بشرية أعيد تصورها ولم تعد تعطي الأولوية للعسكرة والنزاع والثروة المركزة في أيدي قلة قليلة، وعدم المساواة الاجتماعية الهائلة، والكوارث البيئية، وأوهام الامبراطورية والاستعمار، والمفاهيم الوهمية للحرية الديمقراطية. إن الفيروس التاجي بعيد عن كونه “مستوى عظيم”، كما اقترح البعض. إنه يشبه إلى حد كبير “الخلل الكبير” الذي يغذي الظلم الاجتماعي والبيئي، ما يؤدي إلى تفاقم الجروح والندوب والأمراض التي كانت موجودة قبل هذا الوباء. لذلك يجب الاستفادة من الدروس أثناء الوباء لإعادة النظر في التضامن الاجتماعي عبر التعليم والديمقراطية والمساواة الاجتماعية، لأن العودة إلى الوضع “العادي” لم تعد خياراً قابلاً للتطبيق.