سلايد الجريدةصحيفة البعثمحليات

“الاستعانة بالخبراء”.. محاولة حكومية متأخرة لتعويض القصور الاستشاري

 

دمشق ـ ريم ربيع

لم يحظَ أهل الاختصاص يوماً بالفرصة المواتية ليوجّهوا معرفتهم نحو تقديم الدراسات والمقترحات بشكل عملي، أو المشاركة في اتخاذ القرارات المتعلقة بمجالات اختصاصهم؛ بل على العكس، يواجه بعض الخبراء أو أساتذة الاقتصاد، ممن تستقطبهم الصحافة وتسلط الأضواء على مقترحاتهم، غضباً حكومياً حين لا تنسجم آراؤهم مع ما يتخذ من قرارات، ويُعتبرون منفصلين عن الواقع، أو “منظرين” – كما يقال في بعض الأروقة الرسمية! – وبات معروفاً أن الكثير من القرارات يتخذ بناءً على المنصب وليس الاختصاص، وهو ما يظهر بشكل جليّ عند التطبيق، وما يرافقه من أخطاء تشي بالغياب التام لأية استشارة قبل اتخاذ القرار.

ولو أكل نصفه!

مؤخراً، قررت الحكومة أن “تعطي الخباز خبزه أخيراً”، ودعت الباحثين كافة في كليات الاقتصاد في الجامعات الحكومية والخاصة والمعاهد العليا والهيئات البحثية لوضع الحلول والمقترحات للمشاكل التي ظهرت خلال الأزمة، لاسيما بما يتعلق بتحسين سعر الصرف وتعزيز الإيرادات وترشيد النفقات، بحيث يتم تقديم الحلول والمقترحات عن طريق إجراء مشاريع أبحاث تتعلق بدراسة الواقع الاقتصادي بقطاعاته المختلفة، إضافة إلى أثر الإجراءات الحكومية الاقتصادية على الواقع الاقتصادي للعمل على تحسينه، مؤكدةً أن الأبحاث المعتمدة سيكون لها دعم مالي يقدم من صندوق دعم البحث العلمي والتطوير التقاني، مع تحديد مدة تنفيذ المشروع المعتمد للتمويل بستة أشهر غير قابلة للتجديد، إلا في حالات الضرورة القصوى، شرط أن يكون مقدم البحث منتميا إلى إحدى المؤسسات البحثية العلمية.

حكي جرائد!!

قد يكون هذا القرار – فيما لو طبق فعلاً –  مؤسساً لاتخاذ إجراءات مدروسة من جميع الجوانب، خاصةً أن المستشارين في أغلب المؤسسات والوزارات تحوّلوا إلى موظفين تقليديين يبقى وجودهم بصفة استشاري ضروري لبريستيج المؤسسة، في الوقت الذي تعج فيه جامعاتنا بأساتذة لديهم من المخزون الفكري ما يمكّنهم من إيجاد حلول لأية مشكلة، وهم من يتصدون لشرح أسباب أي متغير أو طارئ جديد في ظل الصمت الرسمي، ويبدو كلامهم أكثر منطقية وقرباً مما يواجهه المواطن في معيشته، ما جعلهم “أصدقاء” الصحافة الذين تلجأ إليهم لتوضيح القرارات “غير المفهومة!”، وتسليط الضوء على مقترحاتهم لحل المشكلات؛ وغالباً ما تحظى آراؤهم بقبول وانتشار واسع، إلا أنها لا تصل مسامع المسؤول الذي يعتبرها – إن وصلت – “حكي جرائد”، على ما يبدو!

استدراك

في الكثير من اللقاءات والمؤتمرات التي يتم دعوة الخبراء إليها، يستحوذ المسؤولون على أغلب الوقت في كلماتهم المطولة عما أنجزوه وحققوه لعدة أعوام، وحين يصبح الحديث للخبراء والباحثين يغادر أصحاب القرار لانشغالهم ويطلبون موافاتهم بالمقترحات التي خلص إليها النقاش، فيما يفتقد الكثير من المؤتمرات العلمية حضور أي مسؤول! وبالعودة إلى تلك المقترحات، نجد أن الباحثين – وأساتذة كلية الاقتصاد تحديداً – كثيراً ما حذروا من اتخاذ قرارات ستنعكس سلباً على معيشة المواطن وعلى الاقتصاد السوري، ومع ذلك يُتخذ القرار بكل الأحوال، لنغرق لاحقاً في محاولات الاستدراك والخروج من المأزق وتبادل الاتهامات.

تناقض

من جانبٍ آخر، كشفت بعض اللقاءات عن الانعدام شبه التام للتواصل بين الخبراء والباحثين مع بعضهم، فلكلّ منهم رأيه ودراساته المنعزلة عن دراسات زملائه، ما يستدعي إيجاد منصة واحدة للقاء المختصين في كل مجال، بحيث يتم استخلاص مجموعة من الدراسات المتفق عليها، لتكون أساساً لما سيليها من إجراءات، حيث شكّل تناقض بعض الأبحاث أو قصور بعضها وافتقاره للإحاطة بمختلف جوانب الموضوع سبباً لإهمالها من قبل الجهات الرسمية، وهو خطأ يجب استدراكه من قبل الباحثين أنفسهم والجهات العلمية المسؤولة عنهم.

شريك لا موظف

يقول المثل “من شاور أهل النصيحة سلم من الفضيحة”، فالكثير من “النكسات الاقتصادية” كان يمكن تجنبها أو مواجهتها بأقل الخسائر لو أنها دُرست بشكل أعمق ومن مختلف الجوانب؛ ومقابل إهمال الخبراء والمستشارين في سورية وإقصائهم عن القرارات المفصلية، يولي العالم بأسره كامل اهتمامه لرأي الخبير، وتبني كبرى الشركات سياساتها على أساس مقترحات أبناء الخبرة والاختصاص، وقد يتجاوز ثمن نصيحة واحدة من بعض الخبراء ملايين الدولارات.. كما تلاقي دراسات الباحثين، وحتى طلاب الجامعات، متابعةً واهتماماً كبيرين. وهنا، لا بد لنا أن نعول على مدى الالتزام والأخذ بما سيقدمه الباحثون من دراسات ومقترحات، والتعامل مع الباحث على أنه شريك في اتخاذ القرار وليس موظفا.