“كوفيد 19”: الفيروس السياسي!
عناية ناصر
في الوقت الذي يشكل فيه فيروس كورونا عدواً بيولوجياً مشتركاً للبشرية، يظهر الفيروس السياسي الذي أوجده بعض السياسيين الأمريكيين بغيضاً بالقدر نفسه، لأنه يضر بالتعاون الدولي لمكافحة الفيروس، ويعيق تطور المجتمع البشري وتقدمه على المدى الطويل. وهذا الفيروس قد يتسبب بأضرار على الصعيد السياسي، أكثر مما يفعله فيروس كوفيد في الطبيعة.
فما هي مصادر هذا الفيروس السياسي؟ إنها متجذرة في المصالح الأنانية لحفنة من السياسيين الأمريكيين، فمنذ وقت ليس ببعيد، كشفت وسائل الإعلام الأمريكية عن قيام كبار المسؤولين الأمريكيين بتسليم وثائق إلى عدد من الوكالات الفيدرالية تطلب فيها من جميع المسؤولين الفيدراليين التحدث باستمرار عن الوباء، وتحميل الصين المسؤولية عن ذلك.
كانت الوثيقة،عملياً، إقراراً من حكومة الولايات المتحدة عن كيفية التهرب من المسؤولية، وبما أن عام 2020 هو عام الانتخابات الأمريكية، فإن بعض المسؤولين الأمريكيين يعملون، وبشكل جنوني على اختلاق المغالطات من أجل ما يسمونه “محاسبة الصين”، ومن أجل مهاجمة منظمة الصحة العالمية، التي تم وقف التعاون معها، بذريعة انحيازها للصين، بل وحتى انتقاد حكام الولايات بذريعة الاستجابة السيئة للوباء، وكل ذلك للحيلولة دون تأثير الوباء على الانتخابات.
وهذه “الاستعراضات السياسية”، عديمة الضمير تعكس المدى الذي بلغه المسؤولون الأمريكيون في سعيهم للتستر على سوء سلوكهم، سواء في اتخاذ القرار أم في الاستجابة للوباء، وفي تجاهل تذمر الجمهور.
الفيروس السياسي تورم سببه العنصرية، فبعد إطلاق منظمة الصحة العالمية، والدائرة العلمية اسم “كوفيد 19” على الفيروس التاجي، تجاهل بعض السياسيين الأمريكيين، متعمدين التسمية الجديدة وأصروا على تسميته “الفيروس الصيني”، رغم أن هناك إجماعاً دولياً على عدم ربط تسمية فيروس بمنطقة أو دولة، وهو كذلك مبدأ عالمي يجب على المجتمع الدولي التمسك به. لكن المسؤولين الأمريكيين مصممون على تحدي العالم، من خلال محاولة توجيه الرأي العام، وعن قصد، باتجاه العنصرية وكره الأجانب، وممارسة التمييز العنصري.
كشف إطلاق مصطلح “الفيروس الصيني” على الفيروس التاجي عن غياب مطلق للفطرة السليمة والضمير وروح التعاون وانعدام الأخلاق لدى بعض السياسيين المصابين بـالفيروس السياسي. الفيروس السياسي مستمد من عقلية الحرب الباردة، لأن هناك مجموعة صغيرة من السياسيين الأمريكيين المهووسين بالمناورة السياسية والتشهير بالصين، منهم على وجه الخصوص وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، والذي طالما كان منشغلاً في تأجيج النار ونشر الأكاذيب. و”الفيروس السياسي” المتجذر في أذهانهم هو مصدر كل نواياهم الشريرة، وهو الذي صور لهم أن اتهام الصين من خلال ما يسمى “دبلوماسية الأقنعة” سيقوض قوة الصين، وأن تشويه مساعدة الصين في بناء المركز الأفريقي للوقاية من الأمراض ومكافحتها، ومحاولة تصويره وكأنه “محاولة لسرقة بيانات الجينوم” كفيل بأن يؤدي إلى دق إسفين بين الصين وأفريقيا، وأن دفع دول أخرى لمطالبة الصين بتعويضات، من شأنه أن يثبّت “الخطيئة الأصلية”، في قضية الفيروس على الصين. لكن هذه “الافتراءات” ليست سوى محاولة من واشنطن لكبح النمو في الصين.
وصفت الحكومة الأمريكية في أحدث استراتيجية للأمن القومي واستراتيجية الدفاع الوطني، روسيا والصين بأنهما أكبر التحديات التي تواجه الأمن القومي الأمريكي، معلنة عودة صراع القوى العظمى.
خلال هذه الأزمة العالمية لـ”كوفيد 19″، بذل بعض السياسيين الأمريكيين، وفي سعيهم لتكديس الذخيرة لكسب “صراع القوى العظمى”، كل جهودهم لمواجهة الصين بكل طريقة ممكنة، وحاولوا جاهدين التغطية على الحرج الذي وقعت به أمريكا جراء التدابير غير الفعالة في مكافحة الوباء، من خلال محاولة تشويه سمعة الصين، بدل التركيز على منع انتشار الفيروس.
لقد تسرب المرض إلى الجسد ويجب معالجته قبل أن يزداد سوءاً، ولا يزال العالم يكافح جائحة “كوفيد 19″، وعلى جميع الدول أن تتعاون للتغلب عليه. وعلى السياسيين الأمريكيين قبول النصيحة بوقف الإساءة وتغيير المسار قبل فوات الأوان، وعلى المجتمع الدولي البقاء في حالة تأهب قصوى واتخاذ التدابير القوية لمنع انتشار الفيروس السياسي الأمريكي الذي يلحق المزيد من الضرر بالجهود الدولية وبالنظام الدولي القائم.