اقتصادنا في مواجهة ثلاثة أنواع من كورونا
رغم التهويل الدولي والمحلي المستمرين منذ أشهر بخصوص وباء كورونا، والذي أسفر عن توقف الكثير من المواقع الإنتاجية والخدمية، ما تسبّب بخسارة الاقتصاد الأسري والوطني مئات المليارات، إضافة لتخصيص عشرات المليارات من الميزانية العامة للحدّ من انتشار الفيروس عبر تكثيف استخدام المواد المعقمة وتجهيز العديد من المحاجر الصحية، نحمد الله أن إصابات فيروس كورونا التي ظهرت عندنا أثبتت خلو أغلب المحافظات من أية إصابة، وأغلب الإصابات محصورة في محافظتين فقط، وهي تعدّ بالعشرات – وأغلبها تماثل أو يتماثل للشفاء – قياساً بعشرات آلاف الإصابات وآلاف الوفيات في كثير من الدول، بل وبمئات آلاف الإصابات وعشرات آلاف الوفيات في بعض الدول العظمى. ورغم أهمية الإجراءات التي تمّت عندنا، والتي قضت باستخدام العديد من أساليب الوقاية، والحدّ من حجم الاختلاط الاجتماعي، ما حدَّ بشكل كبير من انتشار الفيروس، إلا أن واقع الحال أظهر أن مقومات وجود الفيروس في أجوائنا هي في أضعف حالاتها، بدليل أن معظم الإصابات كانت من القادمين من الخارج، أكانوا من إخوتنا السوريين أو الأصدقاء القادمين. وقد أحسن الفريق الحكومي المعنيّ بالتصدي لوباء كورونا صنعاً، عندما اتخذ قراراً فورياً بتعليق الرحلات المقررة من الخارج وتأجيلها، لحين انتهاء إجراءات الحظر والسلامة المتبعة، وذلك منذ اللحظة التي تمّ اكتشاف أول إصابة بفيروس كورونا بين المواطنين السوريين الذين تمّ استقدامهم من الخارج خلال الفترة الماضية، وذلك بهدف منع انتشار الوباء في سورية؛ وعندما تمّ التنسيق لاستقدام طالبي القدوم، تمّ استقبالهم في محاجر صحية مجهزة، وقد نالوا جميعاً عناية واهتماماً شديدين من الجهات الصحية المحلية، علما أنه كان من واجب الدول التي غادروها أن تجري لهم اختبارات صحية دقيقة، متبوعة بحجر صحي حال ظهور أية شكوك، وتزويدهم ببطاقة تظهر وضعهم الصحي، مع تمكينهم من توفير الإجراءات الوقائية عند السفر، فخدماتهم المشهود بها في بلدان الاغتراب، توجب استحقاقهم التقدير العالي من البلد المضيف، والدول المضيفة معنية بصحة المغتربين لديها بشكل قانوني، ولكن الخطر الكبير والمخيف يبقى متمثلاً بشريحة القادمين عبر المنافذ غير الشرعية الكثيرة على محيط حدودنا، وخاصة البرية منها، ما يوجب الدلالة السريعة عليهم من أهاليهم، ودون أي حرج، ما لم يسلموا أنفسهم طواعية للمراكز الصحية، لما في ذلك من خدمة كبيرة لهم ولأهاليهم.
هذه قصتنا مع كورونا المُعْدية، التي أصابت اقتصادنا بشلل جزئي، خلال أشهر قليلة، علماً أن أفولها المرتقب يجب أن يقترن بالاستمرار بالمزيد من الإجراءات الوقائية الأكثر جدوى والأقل كلفة، فبعض ما تمّ إنفاقه، لم يخلُ من هدر كان واجب الوفر. ولكن تبقى قصتنا الأخطر والمزمنة هي مع كورونا المِعَدِية – فالمِعْدَة بيت الداء – أي الحالات الداخلية المشكو منها منذ عقود والمتمثلة بالفساد والخلل الإداري وقصور الأداء، وضعف تنشيط المشروعات الصغيرة، والتي ما تمّ بشأن تنميتها، حتى الآن، أقل بكثير مما تمّ التدبيج له، واعتماد التطبيق الفعلي لزراعة كل شبر أرض، فالقصور في تفعيله لا يقلّ عن القصور في تفعيل تنشيط المشروعات الصغيرة، فآلاف الهكتارات بائرة، والثروة الحيوانية تشهد تراجعاً مخيفاً في جميع أنواعها، حتى الحمير، ولازالت سوقنا تغصّ بالكثير من المواد غير الضرورية، والمستوردة بالعملة الصعبة من مصرفنا المركزي الذي من المتوجب عليه أن يحدّ من ذلك، ولازال الاستهلاك الأسري والمؤسساتي قائماً، بخصوص العديد من المواد المتوجب ترشيد استهلاكها بل الحضّ باتجاه الاستغناء عن بعضها كلية.
أما قصتنا الأكثر خطورة هي مع كورونا المعادية، المتمثلة باستمرار سيطرة العصابات الإرهابية على بعض مناطق القطر، وظهور بعض الفلول الإرهابية في أكثر من مكان بين حين وآخر، واستمرار وجود قوات أجنبية معادية محتلة في أكثر من مكان، ولكن الأمل معقود على جيشنا العربي السوري والقوات الرديفة والصديقة، هذا الجيش الذي أثبت أنه كان ومازال وسيبقى هو الأمين المؤتمن على أمن وسلامة الأرض السورية، وكما سبق له أن حرّر عشرات المناطق فهو قيد التحضير لاستكمال المهمة. ولو أن كل وزارة من الوزارات الأخرى بذلت في ميدان عملها جهوداً مماثلة وموازية لجهود وزارة الدفاع، لكان وضعنا أفضل بكثير، فالحاجة ماسة جداً لأن نعمل لمواجهة كورونا بأنواعها الثلاثة معاً، بعيداً عن أية تأويلات تصرف الجهود باتجاه واحدة منها فقط، بين زمان ومكان، تحت عنوان الأولوية، فالفيروس الصغير والإرهابي الخطير والفاسد الشرير والمحتل الحقير كلٌّ واحد متكامل، تقتضي المصلحة الوطنية واجب العمل للخلاص منه بأسرع وقت، ولم ولن يتحقّق ذلك عبر شعار خليك بالبيت، بل من خلال شعار أخرج إلى مكان العمل.
عبد اللطيف عباس شعبان/ عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية