حالة من انعدام الثقة بين الشباب.. مستقبل مجهول و الحلول مؤجلة!
في ظل هذه الظروف الصعبة بدأ الكثير من الناس يفقدون ثقتهم بنفسهم لجهة مواصلة الحياة وتحقيق أحلامهم وطموحاتهم، حيث تاهوا بتفاصيل الحياة وهمومها ومتطلباتها، وخطورة الأمر تتجلى في الجيل الشاب الذي يصف نفسه “بقليل الحظ” بعد حوالى عشر سنوات حرب دمرت أحلامه وجعلتها تتلاشى وتضمحل!.
وأشار عدد من الآباء إلى حالة من اللامبالاة بدأت تظهر بشكل واضح على تصرفات أبنائهم، وعدم إعطاء قيمة لأي شيء في حياتهم، عدا عن محاولة الهروب من مسؤولياتهم!.
ما الفائدة من النجاح!!؟
تقول ليلى ميهوب: ابني على بعد أيام من امتحان الثانوية العامة، لا أراه متحمساً كثيراً للدراسة، ورغم محاولاتي الكثيرة تشجيعه، لكن دائماً يقول لي: وما الفائدة من الشهادة؟!.
وأشارت إلى العزلة التي يعيش فيها ابنها وشكت من إدمانه وشغفه بالموبايل أكثر من الكتاب، وتمرده على عادات وتقاليد البيت التي لا تعجبه ليبقى غارقاً في عالم خيالي!.
وشكا منصور الحسن من انعدام التوازن النفسي عند ابنه الذي يدرس في الجامعة (سنة أولى)، مشيراً إلى أن بعض تصرفاته غريبة داخل البيت وخارجه، وقال: أدعوه دائماً للنقاش والبوح بما يفكر به ويزعجه، لكنه يتهرب بحجة أنه يدرس!.
أنا ومن بعدي الطوفان!
ابني بعيد كل البعد عنا في البيت يعيش في عالم خاص لا يهمه إلا نفسه، تماماً كمن يعمل وفق “أنا ومن بعدي الطوفان”، هذا الكلام لأب يعمل دكتورا في الجامعة يشعر بأنه عجز عن إرشاد فلذة كبده للطريق الصحيح ولديه خوف شديد من تفاقم حالته!.
لا أمل بالعمل!
أحمد محمد /خريج علم اجتماع/ يرى أنه فقد أمله في تحقيق أحلامه التي كانت تراوده وهو على مقاعد الدراسة، ويقول: جيلنا غير محظوظ، فالحرب قضت على طموحاتنا لدرجة أنها أفقدتنا الثقة بأنفسنا وقدرتنا على تحقيق ولو جزء من أحلامنا المؤجلة!.
ولا يختلف رأي راما خليل عن الرأي السابق، بل يكاد يكون أكثر تشاؤماً، فهي حسب قولها لم يعد لديها ثقة بأنها ستحقق حلمها بإيجاد عمل يناسب تخصصها (أدب إنكليزي)، وهي تفكّر جدياً بالهجرة لعلها تحقق ما تتمناه ولو بالتقسيط!.
سؤال ساخن!
وسأل محمود ميهوب: لماذا لم يعمل المعنيون وفق خطط واستراتيجيات تجعل الشباب أكثر أماناً وظيفياً في المستقبل؟!، وقال: الشباب اليوم كالأحياء الأموات، غالبيتهم بلا أمل في ظل وضع اقتصادي صعب، لكن لو تم منذ عقود وضع استراتيجية وطنية لدعم الشباب ومستقبلهم لما حدث ما حدث!.
لا تأتي من فراغ!
برأي الدكتور محمود ميلاد أستاذ علم النفس بكلية التربية بجامعة دمشق أن أسباب ضعف الثقة بالنفس عند شريحة الشباب بمختلف أعمارهم لا تأتي من فراغ وإنما هناك أسباب عديدة، أهمها: الإحباطات اليومية المتكررة، في ظل انعدام ثقتهم بمستقبل أفضل يحقق لهم أحلامهم المؤجلة وهم يسمعون كل يوم سيلا من الوعود المعسولة، ما جعل مستقبلهم مجهولا غير واضح المعالم!.
ويضيف الدكتور ميلاد، ما زاد الطين بلة هو غياب المحاسبة والمساءلة وعدم تطبيق القانون ليكون الرجل المناسب في المكان المناسب!.
وانتقد الدكتور ميلا غياب التوعية والبرامج الهادفة لحماية جيل الشباب كالأنشطة التثقيفية والإرشادية، خاصة في ظل هذا الغزو الإعلامي الذي يستهدف الشباب بشكل خاص.
أسئلة ساخنة!
وتساءل الدكتور ميلاد: ماذا أعددنا لشبابنا وأطفالنا في ظل طغيان مواقع التواصل الاجتماعي التي استلبت عقولهم وجعلتهم يعيشون في عالم بعيد جداً عن أرض الواقع، أين برامج الإصلاح التي تخاطب الشباب وتجعلهم شركاء حقيقيين في صنع القرار الذي يتعلق بمستقبلهم وإعطاءهم دور الريادة؟!، للأسف الأسئلة كثيرة ولكن لا حياة لمن تنادي!.
غياب الأمل!
وعن الحلول التي يمكن أن تخفف وجع الشباب وتعيد لهم الثقة بأنفسهم، بيّن الدكتور ميلاد أن الحل يحتاج لعمل كبير لإخراج الأبناء من حالة الإحباط التي تجعلهم ينظرون بتشاؤم للمستقبل، ويضيف: صحيح أن الحرب أثرت بشكل كبير على المجتمع السوري واستنفدت طاقات البلد وخاصة طاقات الشباب، لكن هذا غير مبرر للجهات المعنية التي لم تهتم بالشباب كما يجب، حيث لم تحسن الاستثمار بعمرهم الشبابي، فجعلتهم صيداً سهلا لسماسرة الهجرة التي تغرر بهم !.
بالمختصر، شبابنا وأبناؤنا بشكل عام يحتاجون لمزيد من الثقة بأنفسهم لتقوية أمانهم الداخلي وشحذ إمكاناتهم وقدراتهم المهدورة التي نحتاجها في المرحلة القادمة، فهل تعي الجهات المعنية ذلك وتنفض الغبار عن البرامج الورقية التي تتغنى بمستقبل الشباب وأهمية دورهم؟!.
• غسان فطوم