أي عنصرية.. هذه؟!
حسن حميد
أبعد كل هذا الذي جرى.. عنصرية أيضاً! أبعد موت الملايين من أهل البلاد الأصليين، الهنود الحمر، وموت الملايين من أصحاب البشرة السمراء الداكنة، والأفارقة، والحروب التي مزقت البلاد إلى شمال وجنوب، أي بين أهل الصناعة وأهل الزراعة، والتي حصدت الكثير الكثير من الأرواح، ودمّرت ما دمّرته، وخرّبت ما خرّبته، وتصنيع الجراثيم والفيروسات وإرسالها إلى هنا وهناك، وبعد احتلال أفغانستان والعراق وتدمير عدد من البلدان العربية وحصارها، وبعد عداء مستحكم وشرس، وحصار مقيت لا عنوان له سوى الصلف والهيمنة والاعتداد بثقافة الدموية والبطش والتهديد والوعيد لـ سورية، وكوبا، وفنزويلا، وبوليفيا، وإيران، وفلسطين، وبعد القواعد الأمريكية التي انتشرت في جميع أنحاء العالم، حتى في البحار، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى إلى ما شاء الله من أزمنة، وفي زمن انتشار فيروس الكورونا حيث الناس جميعاً، أغنياء وفقراء، صغاراً وكباراً، مهددون بالموت.. تطلّ العنصرية بوجهها القبيح مرة أخرى، تطلُّ لتعصف بالقوانين الوضعية، والحقوق المدنية، والمعاهدات، والمواثيق، والتعهدات، والمناداة بالسلم العالمي، والعالم الحر؟! كيف هذا؟! ولماذا يحدث؟! وأين الحديث عن المدنية والرقي، والأخوّة الإنسانية، وعناق الأيدي السمر والبيض في مشهديات جلية هنا وهناك، بل أين هي الأفلام الوثائقية، ومنظمات حقوق الإنسان التي صدّعت الرؤوس بهتافات مناصريها، وأين هي التظاهرات التي اجتاحت جميع بلاد العالم، تقريباً، لكي تدين الصلف العنصري الذي واجه أهل البشرة السمراء في جميع معطيات الحياة وتوجهاتها!
بلى، الأمر محير إلى حدّ التناقض، وإلى حدّ اصطفاف الجنون والعقلانية في سطر حياتي واحد، لأن ما نادت به الكتب، ودور العبادة، والجامعات المعنية بالحقوق، والمنظمات المهمومة بالإنسان كلاًّ واحداً أيّاً كان لونه، وأيّاً كانت جغرافيته، وأياً كانت ديانته وقوميته وهويته، كلَّها باتت اليوم على محك التجريب والامتحان، إذ كيف لـ “بلدين” باديين على شاشات التلفزة، وفي جميع وسائل الإعلام، والشرطة فيهما يقوم أفرادها والمنتسبون إليها بأفعال الإعدام مباشرة، وفي الشوارع جهاراً نهاراً، وما من حسيب أو خوف من أرض أو سماء، أو خشية من قانون أو عرف، أو التفات إلى قيم أو حقوق.. وأقصد هنا: أمريكا وإسرائيل؛ فالأوامر صادرة لأصغر شرطي فيهما أن يكون هو الجلاد والقاضي في آن واحد، وأنه، أي الشرطي، مخلوق من طينة الآلهة، هو يقرر، وهو ينفذ، وإلا كيف أعدم هذا الرجل صاحب البشرة السمراء جورج فلويد خلال ثماني دقائق أمام عدسات التلفزة، وبدم بارد من شرطي أمريكي يلبس الأبيض الناصع، وصدره موشح بالرموز، ومعه العصي والأسلحة، والرجل طوال الدقائق الثماني يرجو الشرطي أن يرفع رجله الثقيلة عن رقبته لأنه ما عاد قادراً على التنفس! ولا أحد من أهل النفوذ الأمريكي، أهل القرارات يتخذ قراراً فيه طعم من طعوم الإنسانية، أو فيه طيف من طيوف العدالة! ثم ما الذي فعله هذا الرجل الأسمر جورج فلويد حتى ينال هذا الجزاء غير الإنسانيّ، الإعدام، ألأنه صرخ: أريد أن أعيش، ما عدت أطيق الحجر، أطفالي جاعوا، لا شيء في البيت يؤكل!
أليس هذا الفعل الإجرامي، الدموي، اللاإنساني هو الفعل الإجرامي الدموي اللاإنساني الذي يقوم به أفراد الشرطة الإسرائيلية في أقدس أرض، وأنبل حضارة، وأعزّ مكان، حين يقتل شرطي إسرائيلي مفقوع في عقله شاباً فلسطينياً وهو في طريقه إلى المدرسة على كرسي عجلات لأصحاب الاحتياجات الخاصة، فيعدمه على الفور، وفي الشارع، وأمام عدسات التلفزة، لأن هذا الشرطي توهم أن الشاب الفلسطيني سيقوم بفعل عدائي ضد سلطته المحتلة! أي جلافة حيوانية هذه، وأي ممارسة دموية بعيدة عن أبسط أشكال الحرية والأخلاق والقيم.
والعالم.. ماذا يفعل؟!
أسأل، لأنني على قناعة أن العالم ليس كله مع (أمريكا وإسرائيل)، وإن كان يخشاهما! لابدّ من وقفة إنسانية جادة، وفي كل المحافل الدولية.. لأن ما يحدث هو تغول للدموية والبطش، وهو عنصرية مقيتة، ناضل أهل الحقوق، عارفوها، طويلاً لتصير سلوكاً بشرياً، وثقافة تعاش!
Hasanhamid55@yahoo.com