هل بدأت نهاية ” النهضة “؟!
بقلم محمد كنايسي
لا بد من التذكير بأن وصول حركة النهضة إلى الحكم في تونس، واستمرارها فيه حتى الآن، رغم التراجع الواضح الذي شهدته شعبيتها في آخر انتخابات برلمانية ، قد استند إلى أمرين، أولهما أن جزءا من الشعب التونسي قد توسم في أعضائها الخير، واعتقد أنهم يتمتعون بأخلاق عالية تحميهم من الفساد، وتُمكنهم من تصحيح أوضاع البلاد، وتحقيق العدالة الإجتماعية، وثانيهما أن الحركة أظهرت قدرا كبيرا من البراغماتية لإقناع المجتمع بأنها أبعد ما تكون عن محاولة تغيير نمط العيش والحكم المدنيين الذي ترسخ طوال مرحلة الحكم البورقيبي، ثم مرحلة حكم بن علي التي تلتها…
وكان سقوط إخوان مصر السريع درسا قاسيا حفظته الحركة جيدا، ولم يتردد زعيمها راشد الغنوشي وقتها في توجيه اللوم لهم لأنهم كانوا يريدون كل شيء دفعة واحدة، فخسروا كل شيء… لم تعترف النهضة بأنها فرع من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وأصرت دائما على أنها حركة تونسية وطنية تؤمن بمدنية الدولة، ولا تسعى إلى الانفراد بالحكم، وتغلب مصلحة البلاد على مصلحتها الحزبية.. وزاد استغناء قياداتها عن الشكل التقليدي للإخوان، ولا سيما اللحية، وارتداؤهم البدلة وربطة العنق في تقديم صورة عصرية لهم بعيدة كل البعد عن التشدد الإخواني النمطي مظهرا وجوهرا، إلى أن فضحهم فشل تجربتهم في الحكم، وانصرافهم إلى تنفيذ الأجندة الإخوانية، فضلا عن التحاقهم السريع بنادي الأثرياء الجدد والفاسدين، وكشف حقيقتهم التي حاولوا جاهدين إخفاءها بكل الوسائل، وهي أنهم فرع من التنظيم العالمي، ينفذون أجندته وأهدافه ، ويتحالفون عقائديا مع الإرهاب التكفيري أيضا، بل ويعملون على حمايته وتشجيعه.
وبالرغم من أنهم تمكنوا حتى الآن من طمس الأدلة التي تدينهم قانونيا ولا سيما في ما يتعلق بجرائم الإغتيالات السياسية التي حدثت في تونس أو بتورطهم في تجنيد الشباب التونسي وإرساله إلى سورية للالتحاق بصفوف الإرهابيين، إلا أن أصابع الاتهام السياسي باتت موجهة لهم بقوة من قبل الكثير من القوى السياسية والشعبية التونسية …
ولسبب ما، قد يكون إما خطأ في التقدير أو تنفيذا لأوامر خارجية، أقدم زعيمهم الغنوشي رئيس البرلمان التونسي مؤخرا على تهنئة السراج رئيس حكومة الوفاق في ليبيا بمناسبة استيلاء قواته من الارهابيين المرتزقة الذين أرسلهم أردوغان من سورية لنجدة حليفه الليبي الإخواني، ومدهم بالسلاح المطلوب، على قاعدة الوطية الاستراتيجية . وبهذا أكد الغنوشي أن حركته متورطة في الصراع الليبي حيث تعمل على تنفيذ الأجندة التركية والقطرية في ليبيا مما أثار موجة من الغضب الشعبي عليه في تونس، وأدى إلى مطالبة بعض الكتل البرلمانية بمساءلته وعزله من منصبه، وتقديم لائحة تدين التدخل العسكري الخارجي ولاسيما التركي والقطري في ليبيا، وترفض تشكيل قاعدة لوجستية داخل التراب التونسي لتسهيل ذلك التدخل.
وبالرغم من تمكن النهضة وحلفائها من إسقاط اللائحة إلا أن ذلك تم بصعوبة بالغة حيث تمكنت كتلة الحزب الدستوري الحرالتي قدمتها من زيادة حجم المعارضة البرلمانية للنهضة، وحشرت الغنوشي رئيس البرلمان في زاوية ضيقة جعلته في منتهى الضعف والارتباك وعدم القدرة على مواجهة سيل الاتهامات التي صبت على رأسه.
صحيح أن الرجل قد نجا بجلده هذه المرة، لكن آثار ما حدث جاءت في غير مصلحته، إذ غيرت خارطة التحالفات البرلمانية بما يضعف كتلة حركته، وأحدثت تصدعا في الائتلاف الحاكم حيث احتدم الخلاف بين أطرافه، ولا سيما بين النهضة وحركة الشعب الناصرية التي صوتت مع اللائحة…
إذا كانت حركة النهضة قد استغلت اتساع دائرة التآمر الإقليمي والدولي ضد الدولة الوطنية السورية لإخفاء دورها الاجرامي في مساندة الارهابيين الذين قاتلوا الجيش العربي السوري، فإن دورها في مساندة إرهابيي أردوغان الذين أرسلهم من سورية لتحقيق أطماعه الاقتصادية وأجندته العثمانية في ليبيا، دور معلن أقر به زعيمها، مما لن يمر مرور الكرام هذه المرة، ولا سيما بعد أن اهتزت مكانته في البرلمان التونسي، وحتى داخل حزبه، ما سيعجل بسقوطه وتصدع حركته التي لم تعد الخلافات العميقة التي تشقها خافية على أحد .