أخبارصحيفة البعث

اعتقالات أردوغان تطال الأجهزة الأمنية

سياسات رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان الداخلية والخارجية، التي وصفها سياسيون أتراك مؤخراً بـ”المتهورة”، التي قادت إلى أزمات مالية واقتصادية خانقة داخل بلاده، وسياسة الملاحقة والاعتقال التي انتهجها في القضاء على معارضيه، فضلاً عن تخبّطه في التعامل مع جائحة كورونا ودعمه للإرهاب في سورية ودول المنطقة، أدّت إلى تراجع شعبية حزبه “العدالة والتنمية” بشكل مطّرد، ما صبّ في صالح أحزاب المعارضة والأحزاب المشكلة حديثاً، وفق ما كشفت استطلاعات رأي في تركيا.

مؤسسة الاستقصاء التركية “كوندا” أكدت أن الدعم الشعبي لحزب العدالة والتنمية وصل لأدنى مستوياته لأقل من 30 بالمئة في شباط الماضي، وذلك قبل شهر من تسجيل البلاد لأولى حالات الإصابة بفيروس كورونا، وهي في تراجع مستمر، فيما أشار رئيس المؤسسة بكير آديردير إلى أن أسباب التراجع المستمر في شعبية حزب العدالة والتنمية هو تسبّبه الدائم في إثارة التوترات والأزمات للأتراك بعد أن بات أسلوبه يرتكز على محاربة وتصفية خصومه في الداخل والخارج لتبرير سياساته، مشيراً إلى أن حزبي “ديفا والمستقبل”، اللذين أسسهما وزير الاقتصاد السابق علي باباجان ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، باتا يهدّدان قاعدة مؤيدي حزب العدالة والتنمية الحاكم، مؤكداً كذلك أنه بحلول نهاية هذا العام سيكون كلا الحزبين مؤهلين لخوض الانتخابات.

كمال أوزكيراز رئيس الأبحاث في مؤسسة أوراسيا أكد من جانبه أن حزب العدالة والتنمية وحده لا يمكن أن يكون في السلطة مع حصوله على نسبة 34.49 بالمئة فقط من الأصوات، بينما شريكه حزب الحركة القومية لن ينجح بتجاوز العتبة الانتخابية بنسبة تصويت بلغت 8.15 بالمئة، في حين حصل حزب الشعب الجمهوري على 30.65 بالمئة من الأصوات وفق استبيان للرأي كشف عن التقدم المتواصل لأكبر أحزاب المعارضة في البلاد.

وكانت صحيفة “برلينر تسايتونغ” الألمانية كشفت مؤخراً أن حزب العدالة والتنمية لم يتمكن من الحصول على أغلبية للأصوات في أي استطلاع رئيس للرأي تم إجراؤه خلال الشهر الماضي، فيما تصدرت المعارضة النتائج بنسبة تصل إلى 58 بالمئة.

في السياق، أظهر استطلاع رأي جديد أجرته شركة “بيار” التركية للأبحاث إحراز رؤساء البلديات التابعين لأحزاب المعارضة التركية المراكز الأولى لأكثر رؤساء البلدات نجاحاً في تركيا وهو ما يعكس مدى رضا الشعب التركي عن أداء احزاب المعارضة.

سليم جيفيك المحلل السياسي في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية توقّع من جانبه أن يهز الدعم الذي تم تحويله إلى كل من باباجان وداود أوغلو الوضع السياسي في تركيا، في وقت أجمعت فيه كل استطلاعات الرأي التي تم إجراؤها خلال شهر أيار في تركيا حول احتمالية تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة على تلاشي أصوات مؤيدي حزب العدالة والتنمية وحليفه حزب الحركة القومية لصالح أحزاب المعارضة بما فيها الأحزاب الجديدة.

وفي أعقاب تراجع الدعم له في استطلاعات الرأي الأخيرة، يخطّط حزب أردوغان للدفع مع حلفائه القوميين بإجراءات من شأنها أن تؤثر في طريقة خوض المجموعات السياسية للانتخابات القادمة ويمكن أن تقف حجر عثرة أمام مشاركة أحزاب المعارضة الجديدة في أي انتخابات مبكرة، فيما يرى مراقبون أن انشقاق اثنين من أبرز حلفاء أردوغان السابقين وتشكيلهما حزبين منفصلين خلال الأشهر الماضية لمنافسة حزب العدالة والتنمية الحاكم سيؤدي إلى احتمال خسارة حزب العدالة والتنمية في تلك الانتخابات.

سلطات النظام التركي أصدرت مجدّداً مذكرات اعتقال جماعية بحقّ 149 شخصاً، بينهم 74 شرطياً ومديري أمن تمّ فصلهم بموجب مراسيم حالة الطوارئ في إطار تحقيقين منفصلين مركزها مدينتا باليكسير وغازي عنتاب، وذلك بذريعة صلتهم بالداعية فتح الله غولن الذي يتهمه النظام بالوقوف وراء محاولة الانقلاب عام 2016.

ويشن نظام أردوغان منذ محاولة الانقلاب حملة قمعية شديدة لاستهداف معارضيه وخصومه حيث تم اعتقال وإقالة عشرات آلاف الأشخاص في مختلف المؤسسات المدنية والعسكرية في البلاد.

كما اعتقلت سلطات النظام صحفيين اثنين في إطار سياسات القمع وكمّ الأفواه التي يمارسها أردوغان ضد خصومه ومعارضيه في البلاد من الصحفيين والشخصيات المثقفة وغيرهم.

واعتقلت سلطات أردوغان كلاً من ممثل قناة “تي لي1” الإخبارية في أنقرة الصحفي اسماعيل دوكال والصحفية ميسر يلدز الكاتبة في موقع “أودا” التلفزيوني وذلك بعد أن كشفا أسراراً وفضائح تتعلق بسياسات أردوغان داخلياً وخارجياً.

إلى ذلك، ندّد نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض يلدرم كايا باعتقال دوكال ويلدز ووصفه بأنه “عمل خطير يثبت من جديد عداء نظام أردوغان لحرية الصحافة وحقوق الإنسان وأبسط معايير الديمقراطية”.

وتأتي هذه الاعتقالات بعد أسبوعين من العقوبات المالية التي فرضها المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون التابع لنظام أردوغان على قنوات المعارضة ومنها “تي لي1” وتلفزيون هالك وفوكس وأودا، كما منع المجلس بث العديد من البرامج في القنوات المذكورة لفترات متعددة وباتهامات معروفة يوجهها وكلاء النيابة لمعارضي سياسة أردوغان والمتمثلة بالإساءة له.

وكان عضو البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري آوتكو جاكير آوزار أعلن عن التقرير الشهري لواقع الإعلام في تركيا أن عدد الصحفيين الموجودين في السجون وصل إلى 117 صحفياً، فيما استهدفت السلطات الأمنية والقضائية خلال أيار الماضي بناءً على تعليمات مباشرة من أردوغان العديد من الصحف والتلفزيونات والمواقع الإخبارية التي تم إغلاقها أو مصادرتها أو فرض عقوبات مالية عليها لجرّها إلى الإفلاس بسبب مواقفها المعارضة لسياساته الداخلية والخارجية.

في سياق آخر، يواصل رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو محاولاته لتلميع صورته والتملّص من الجرائم التي ارتكبها في ظل النظام التركي، حيث أكد أن هذا النظام بزعامة أردوغان يخدم حفنة من الفاسدين الذين دمّروا البلاد.

وأشار داود أوغلو، الذي يتزعم حالياً حزب المستقبل، في مؤتمر صحفي، إلى أن أردوغان قام بتغيير النظام وأصبح الحاكم المطلق للبلاد وقد أثبت نظامه فشله بسبب سلوكياته الشخصية وعقده النفسية وعقلية الشلة الحاكمة التي لا يهمّها إلا البقاء في السلطة وهذا ما يفسر مغامراتها واستفزازاتها داخلياً وخارجياً.

ولفت داود أوغلو إلى أن نظام أردوغان بما يضم من جهلة أوصلوا البلاد إلى حافة الإفلاس الاقتصادي والمالي، إذ خسر البنك المركزي كل احتياطاته من العملات الصعبة ولم يعد أحد يثق بتركيا بسبب القضاء الذي بات يصدر أحكامه بناءً على تعليمات مباشرة من السلطة، وكما هو الحال مؤخراً في اعتقال صحفيين اثنين وثلاثة من أعضاء البرلمان.

وعن اعتقال الصحفيين دوكال ويلدز قال داود أوغلو: “إنّه من أهم سمات الحكم الاستبدادي الفردي الذي يخاف من ردود فعل الشعب ولم يعد لديه ما سيقوله للشعب بعد أن وصل إلى طريق مسدود”.

الجدير بالذكر أن داود أوغلو استقال في أيلول الماضي من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بعد تفاقم حدّة الخلافات بصفوف الحزب وسط سلسلة الانشقاقات التي عصفت به.

بدوره، أعرب نائب رئيس الوزراء التركي الأسبق عبد اللطيف شنار عن استنكاره لاعتقال الصحفيين وقال: “لقد أثبت أردوغان بهذه الاعتقالات ديكتاتورية من جديد”.

وأوضح شنار أن اعتقال الصحفيين يحمل في طياته ملامح المرحلة القريبة القادمة التي ستعني المزيد من الاستبداد والفاشية التي ستستهدف كل السياسيين والصحفيين والمثقفين وهو ما أثبته أردوغان بتصرفاته خلال الأسابيع والأشهر القليلة القادمة بعد هزيمته في الانتخابات البلدية.

وفيما يتعلق باعتقال ثلاثة من البرلمانيين الأسبوع الماضي بعد إسقاط عضويتهم في البرلمان، قال شنار: “الآن في السجون 11 من أعضاء البرلمان عن حزب الشعوب الديمقراطي بمن فيهم الرئيسان السابقان للحزب صلاح الدين دميرداش وفيكان يوكساكداغ والعشرات من رؤساء البلديات وأكثر من مئة من الصحفيين، وهو ما يثبت فاشية هذا النظام الذي لم يعد يتحمل أي معارضة أو انتقاد لأي من سياساته في الداخل والخارج وبعد أن أوصل البلاد إلى حافة الإفلاس داخلياً وخلق لتركيا الكثير من المشاكل في السياسة الخارجية بسبب مغامراته في سورية وليبيا والعراق وتورطه في العديد من القضايا الخطيرة جداً”.