الهدف ليس ليبيا فقط!
سنان حسن
يبدو أن كل القوى المتدخلة في الشأن الليبي تريد استمرار الاقتتال بين الليبيين ومنعهم من إعادة بناء الدولة التي دمّرها الناتو بالتعاون مع تنظيم الإخوان الإرهابي، ومايزالان مستمران في مهمتهما لغاية اليوم، فلماذا كل هذا التدمير بحق ليبيا وشعبها؟ هل الهدف فقط الاستيلاء على نفطها؟ (وهو ما لم يخفه رئيس النظام التركي أردوغان حين قال بكل وقاحة: نريد حصتنا)، أم أن الأمر يتعلق بدنو ساعة التقسيم التي تم الكشف عنها منذ اللحظات الأولى لإسقاط الدولة الليبية الوطنية؟!
على مدى تسع سنوات من الأزمة الليبية، التي أوجدها “الربيع العربي” المزعوم، والصراع بين القوى والمليشيات متواصل، والهدف الأول والأخير هو بسط السيطرة على المواقع النفطية في البلاد، والشروع بعميلة تسويقها للدول الغربية الإقليمية الداعمة لها. ولكن منذ عام 2014، ومع إطلاق عملية الكرامة بقيادة الجيش الوطني الليبي لتحرير البلاد من المليشيات والمجموعات الإرهابية المرتبطة بشكل مباشر بتنظيم الإخوان الدولي، دخلت ليبيا مرحلة جديدة استطاع من خلالها الجيش تحرير أغلب مراكز المدن والبلدات الليبية الرئيسية، إلى أن وصل منذ عام تقريباً إلى العاصمة طرابلس، التي تسيطر عليها ميليشيات إرهابية تكفيرية بقيادة ما يسمى “حكومة الوفاق”، وهنا بدأت الأمور تتغيّر وتتبدل، فالدول والعواصم الغربية، وعلى رأسها إيطاليا وفرنسا وألمانيا، والتي كانت السبب في خراب ليبيا، سارعت من بوابة الأمم المتحدة ومبعوثها هناك لطلب الهدن وطرح مبادرات للحل السياسي كانت تتعمّد أن يتم رفضها.
قبل نهاية عام 2019، فاجأ رئيس النظام التركي ورئيس ما يسمى حكومة السراج، العالم باتفاق مشبوه من شقين: الأول التعاون الأمني والعسكري، والثاني يتعلق بالسيادة على المناطق البحرية، حيث بدأت بعدها أنقرة تسليح مليشيات الوفاق من خلال فتح جسر جوي ما بين أنقرة وطرابلس ومصراته، ناقلة آلاف المرتزقة السوريين من إدلب المحتلة من قبل الجيش التركي والعصابات المرتبطة به، إلى ساحات القتال هناك، حيث تؤكّد التقارير الأممية ومراكز الترقب والبحث أن نظام العدالة والتنمية نقل ما يقارب 17 ألف مرتزق لحماية مليشيا الإخوان، والنتيجة كانت استعادة هذه المليشيات معظم المدن حول العاصمة طرابلس، بعد أن ارتكبت فيها مجازر مروعة (ترهونة – الأصابعة) باعتراف وزير داخلية ما يسمى “حكومة الوفاق” نفسه.
إن الأطماع التركية في ليبيا وغيرها من دول المتوسط، والتي تظهر تبجحا غير مسبوق، وصمتا مطبقا أوروبيا وأمريكيا، يؤكّد أن هذه العربدة الإخوانية الأردوغانية ما كانت لتتم لولا الضوء الأخضر من هذه العواصم، والتي تريد بالفعل إبقاء حالة الفوضى مستمرة في الفضاء الليبي، ومنع أي قوة مهما كانت من تحقيق الاستقرار واستعادة الدولة، وضمان الأمن الإقليمي مع الجوار الليبي، الذي بات يتوجس يوماً بعد يوم من أن الهدف لم يعد نفط ليبيا وثرواتها، وإنما زعزعة استقرار شمال إفريقيا برمته، والتحرّكات التركية في تونس بمساعدة حركة النهضة الإخوانية مثال.
وعليه، يمكن القول إن المبادرة المصرية لحل الأزمة الليبية، والتي لاقت دعماً إقليمياً ودولياً، ورفضها نظام أردوغان وميليشياته في طرابلس، تؤكد هذا الهاجس، وتؤشر أن الهدف المقبل هو ضرب استقرار الدول المجاورة لليبيا من بوابة التنظيم الإخواني، فهل تتحرّك دول الجوار وتضع حداً للتغّول التركي والإخواني أما أننا أمام مزيد من الفوضى والدمار؟!