رأيصحيفة البعث

في جوهر الاستئناس الحزبي ومعناه

أحمد حسن

ليس لغواً القول إن الاستئناس المقرّر هذه الأيام من أجل تحديد مرشحي الحزب لمجلس الشعب، يتجاوز – في سياقاته، ومدلولاته ومآلاته، ومكانة وموقع الحزب الذي يقوم به – صفة الاستجابة الديناميكية الضرورية لتحدّيات حزبية داخلية على خلفية استحقاقات وطنية دورية، على أهمية ذلك الفائقة، ليرتقي إلى كونه فعل صمود في مواجهة الحرب المركّبة التي تُشن في سورية وعليها، و”تهدف قبل كل شيء لتشويه الوعي”، وبالتالي تمويه وإخفاء القضايا الحقيقية لمصلحة قضايا زائفة ليس لها سوى أن تطيل من عمر الضياع وتساهم في هدف “الاركاع والاستتباع” المعلن.

بهذا المعنى فإن الكلمة التي وجهها الرفيق الأمين العام لكوادر الحزب مع بدء عملية الاستئناس تتجاوز كونها خطاباً حزبيّاً داخليّاً بخصوص شأن اجرائيّ محدّد يمارسه “حزب عريق بتاريخه وتجربته الطويلة والغنية”، لترقى بمدلولاتها، سواء المعلنة أو المسكوت عنها، إلى مستوى دليل عمل متكامل للمواجهة الشاملة يضع فعل “الاستئناس” – وبغض النظر عن “ملاحظات” البعض على الكلمة ومدلولاتها – في سياق وطني أوسع كان الحزب، بموقعه السياسي ودوره الوطني، في القلب منه، الأمر الذي يشي بحقيقة أن أي إجراء داخلي فيه يسمح لقواعده بالقيام بدورها الحقيقي يؤكّد، من جهة أولى، على صمود الحزب وقدرته على التجدّد وتصحيح مساره في المفاصل التاريخية، وتلك ميزة لا تقدر بثمن، ويؤمّن، من جهة ثانية، تدريباً داخلياً ثميناً على تكريس الديمقراطية الحزبية، وتالياً الوطنية، فلا أحد يولد ديمقراطياً، والديمقراطية لا تأتي بالأمنيات والبيانات المنمّقة، ولا بالاكتفاء بـ “البوستات” الناريّة على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي، بل بالعمل والممارسة والتجربة والتراكم، والقبول بآلياتها ونتائجها.

والحال فإن الرفيق الأمين العام، وكالعادة، وضع بكلمته هذه يده على الجرح، أو الجراح المتعدّدة، فالحزب الذي حفلت سنواته السابقة “بمحطات مضيئة من الفكر والتضحية والبناء”، لم يخلُ “من الأخطاء التي يقع فيها الكثير من الأحزاب”، وهي أخطاء أدّت، بالتضافر مع “غياب الآليات والمعايير الموضوعية”، إلى “تراجع دور الحزب في بعض المراحل، والإساءة إلى صورته في مراحل أخرى”، وإلى “بعض الخلل في العلاقة بين القيادة والقاعدة داخل الحزب”، وهذا ما أدّى، كما أكد الرفيق الأمين العام، “إلى عزوف البعض عن الانخراط في تحمل المسؤوليات الوطنية والحزبية وخسارة العديد من الكوادر الكفؤة التي رأت في تلك الأخطاء ابتعاداً عن أخلاقيات حزبنا وقيمه، وربما انحرافاً عن أهدافه”، والنتيجة “حالة من الركود الحزبي على المستوى الفكري والإجرائي”.

بيد أن الحزب الذي مرّ، خلال تاريخه الطويل، بأطوار متعددة ومخاضات صعبة اجتازها جميعاً بنجاح يحسب له، لم، ولن، يقف أمام هذه المصاعب مكتوف اليدين، وكما اجتاز المحطات السابقة بـ “الحيوية العالية وروح التجدّد التي تميّز ويتميّز بها”، يأتي اليوم رده “الموضوعي والساطع على من وصفوه بالشمولية والتكلّس والانفصال عن روح العصر”، متمثّلاً بإقدامه على إجراء جديد “لتجديده تنظيمياً وعقائدياً” عبر توسيع “مشاركة القواعد الحزبية في اختيار ممثليهم لمجلس الشعب” وهو “أهم إجراء يحفظ المؤسسة الحزبية ويطورها ويقويها”، لتكون قادرة على لعب الدور المنوط بها في “مسيرة الدفاع عن المبادئ والحقوق والسياسات التي تصب في صالح الوطن وتعزيز قدراته”، كما قال الرفيق الأمين العام.

خلاصة القول: الاستئناس معركة في حرب كبرى، ومثل كل المعارك فإن ربحها يتطلب المشاركة الفعّالة والواعية فيها أولاً، أي الاختيار “بعيداً عن أي ولاءات ضيقة، واعتبارات غير موضوعية، وعصبيات لا تنتمي لعقيدة الحزب الوطنية والقومية”، وجعلها، ثانياً، مفصليّة حقاً سواء في الدلالة على “ديناميكية البعث، وتطوّره، وقدرته على التكيّف والانطلاق نحو المستقبل..”، أو في مساهمتها في رفد المعركة الكبرى بكوادر وطنية كفوءة أكثر قدرة على المواجهة والمجابهة في مرحلة صعبة يبدو أن الإرهاب الاقتصادي الذي يمثّله “قانون سيزر” سيزيد من تعقيدها.

وأكثر من ذلك، الاستئناس فرصة هامة تتيح لنا، كبعثيين، الانخراط في عمل إيجابي مثمر، وأن نفعل بدل أن نتكلم دون طائل، فلما لا نغتنمها، ليكون لصوتنا حين يصدح في مكانه الطبيعي قيمته وفعله الحقيقي.. بدل البكاء الدائم على “اللبن الانتخابي” المسكوب.