ثلاثة أسابيع هزت الأسواق.. “الهلع” لا يعكس طلباً حقيقياً ولا يؤشر إلى حصص اللاعبين!!
كانت رفوف صالات السورية للتجارة الفارغة تماماً، ولثلاثة أسابيع مضت، تشير بوضوح إلى أن مستهلكين أصابهم الهلع وحُمّى التسوق “مروا من هنا”، فموجات وهجمات الشراء غير المنظمة طالت كل شيء.. نعم، كل شيء، حتى تلك السلع التي كنّا نظنها ولأشهر كاسدة، أو عديمة الطلب، حيث باعت في يومين أكثر مما باعته في 22 يوماً، فهل جاء ارتفاع الأسعار ليعيد طرح رؤى وأفكار ذات صلة بقصور العرض أمام تطاول الطلب، وبعدد وحصص اللاعبين في السوق، وبأن المعادلة السعرية تساوي صفراً، عندما يتعلق الأمر بقابلية وشراهة استهلاكيتين مدفوعتين بالتخوّف من فقدان السلع، والزيادات الفلكية في أسعارها!
حصة الستة بالمئة
حدّد وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك طلال البرازي، خلال لقائه رجال الأعمال في غرفة تجارة دمشق قبل يومين، حصة السورية للتجارة من إجمالي السوق بنحو ستة بالمئة، ما يعني أن هناك حصصاً تفوق الـ 90 بالمئة، موزعة على عدد هائل من اللاعبين المتفاوتين حجماً ونشاطاً، والقادرين على التأثير في هذه السوق على نحو فاعل، ما يحدّ من قدرة السورية على كسر الأسعار وتوجيه الطلب، إلا ضمن حدود ضيقة، وهو ما يمكن تفسيره بالارتفاعات الجنونية للأسعار في الأسواق، بالرغم من الثبات النسبي في الأسعار لديها.
القلة صانعة السوق
ليس لدينا وحسب، بل وفي كل الأسواق حول العالم، ثمّة حفنة قليلة من اللاعبين تصنع هذه الأسواق، وتتحكّم في مدخلاتها ومخرجاتها من السلع والخدمات، مقابل كثرة من هؤلاء اللاعبين غير المؤثرين، الذين لا يملكون في بعض الأحيان حصصاً ذات وزن، إنما فتات من حصص، وهنا يصل بنا المطاف للحديث عن الحالة السوداء في الأسواق.. عن الاحتكار المباشر وغير المباشر، والذي يؤدي لتجفيف تدفق السلع، وبالتالي زيادة سعرها.
البرازي كان واضحاً في ردّه على طرح مسألة الاحتكار على مائدة النقاش في “بيت التجار”، مبيناً خطورته وموضحاً أن “الاحتكار غير مقبول قانوناً وشرعاً وأخلاقاً، ولن نسمح به، وهو وإن كان مقبولاً ومتفهماً لدى بعض المحال ومنافذ البيع الصغيرة، فإنه غير مقبول إطلاقاً بالنسبة للشركات والمستودعات الكبيرة، التي مطلوب منها الآن، وأكثر من أي وقت مضى، أن تراعي دقة وحساسية الموقف في الأسواق”.
ارتياح التجار
في الوقت الذي وضع فيه البرازي خطوطاً حمراً لنحو عشرين سلعة غذائية ودوائية، لن تتساهل الوزارة والجهات الرقابية في احتكارها أو التلاعب بها، فإن أمين سر الغرفة محمد حمشو أعرب عن ارتياح التّجار، كون الوزير حدّد نسبة أقل من خمسة بالمئة من التّجار الذين يقومون بممارسات احتكارية خاطئة، ما يعني أن أداء الوسط التجاري جيد بالعموم، وهو أمر وصفه رئيس مجلس إدارة الغرفة غسان قلاع بـ”اللهجة الجديدة والإيجابية البعيدة عن التهديد والوعيد”، إذ ثمّة ما يشبه الإجماع لدى التّجار بضرورة احترام خصوصية عملهم، والكفّ عن تحميلهم وزر الغلاء، ووصفهم بالجشع والاستغلال، كما جرت العادة، وفقاً لما أكده كثيرون منهم.
مخالفة دون إغلاق
يبدي كثير من التّجار امتعاضاً من ظاهرة إغلاق المحال التجارية، وختمها بالشمع الأحمر، ويعدونها إساءة لسمعة التاجر، التي هي رأسماله الحقيقي، كما يقول أحدهم، ولاسيما عندما يتعلق الأمر بمخالفات بسيطة، ويمكن حلّها بتنظيم مخالفة، رافضين فكرة الإغلاق بالعموم، وذلك بالنظر إلى أنها تشكل عقوبة مزدوجة للبائع والمشتري، فهي خسارة للأول، وفقدان سلعة أو خدمة للثاني، ويطالب بعضهم بإعادة النظر في المخالفة نفسها، إذ ليس شيئاً جيداً النظر إلى تقارير الضبوط الدورية والمنظمة بحق الفعاليات التجارية على أنها إنجاز، فهي لا يجب أن تكون مقصودة لذاتها، بل يجب أن تكون كالعلاج بالكي، أي آخر الحلول لا أولها.
درس قاس
شكّلت الأزمة الحادة في ارتفاع الأسعار مؤخراً، والتي ما زلنا نشهد فصولاً غير سارة منها، درساً قاسياً لكل الأطراف، وهو درس لم يسبق أن مرّ به الاقتصاد الوطني، لذا لا بد من الدراسة المعمّقة للنتائج المستفادة من هذه التجربة بكل مرارتها وتداعياتها، وتحليل نقاط القوة والضعف فيها، على الأقل لنعرف كيف سنتصرف في حال تكرار مثل هذه الحالة، لا قدر الله.
أحمد العمار