هواجس من اضطراب تسويقي يستهدف سوق الدواء.. وانتقادات حادة لآليات تسعيره!
دمشق – محمد زكريا
تتوالى قوائم تعديل أسعار بعض المستحضرات الدوائية في وزارة الصحة، حيث شمل هذا التعديل لغاية أمس أكثر من 1500 مستحضر دوائي، ويأتي هذا التعديل ضمن روزنامة جديدة لرفع أسعار الدواء وبشكل تدريجي، إلا أن هذه الطريقة في التسعير لاقت الكثير من الانتقادات، ولاسيما من أهل الدار، على اعتبار أن هذه التعديلات غير شاملة حالياً لبعض التراكيب الدوائية المطلوبة، وهنا يشير رئيس المجلس العلمي للصناعات الدوائية، الدكتور زهير فضلون، إلى ضرورة تصحيح مسار تسعير الدواء ووضع حلول إسعافية لا تحتمل التأخير لهذا الملف من خلال اعتماد أسس تسعير الدواء المعتمدة من قبل اللجنة الاقتصادية برئاسة مجلس الوزراء.
أسعار التسعينيات
وبحسب فضلون فإن الأمر الذي أدى إلى هذه الحال من فقدان لبعض الأصناف الدوائية هو نتيجة ثبات السعر الإداري وعدم ملاءمته لتغيرات السوق، ما سبّب تآكل الأرباح ورأس المال التشغيلي لهذه المعامل، حيث إن 80% من الأدوية مازالت مسعّرة وفق الدولار التسعيري 437 ليرة لموادها الأولية، وما زال 20% من هذه الأدوية مسعّراً وفق الدولار التسعيري في تسعينيات القرن الماضي، وعلى الرغم من أن سعر الصرف بدأ بالارتفاع التدريجي السريع منذ ما يقارب السنة، وباعتبار أن معظم مدخلات هذه الصناعة مستوردة، فإن سعر الصرف هو عامل أساسي ومحدّد لجدوى إنتاجها.
التحدي الأكبر
وأوضح فضلون لـ “البعث” أن المواد الأولية في صناعة الدواء لها خصوصية تميّزها عن غيرها من الصناعات من حيث المواصفات وفترة الصلاحية المحدودة للمادة الأولية، ولذلك لا يمكن تخزينها لسنوات ويجب تأمينها بصورة دورية حسب الخطط الإنتاجية، مشيراً إلى أن التحدي الأكبر الذي يقف أمام المعامل الدوائية هو ارتفاع سعر الصرف بشكل كبير مقارنة مع سعر الدولار التسعيري للدواء، إلى جانب الحاجة الملحة في تجديد مخزون المعامل من المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج. وأمام هذا التحدي تجد هذه المعامل نفسها أمام واقع يستحيل فيه تعويض احتياجات السوق من المستحضرات الطبية الدوائية لسبب عدم قدرة المعامل على تعويض النقص في المواد الأولية من عائدات البيع لمنتجاته، لأنها تغطي نحو 30% من حاجة التمويل اللازمة للتجديد، وهذا التناقص سيؤدي بصورة سريعة إلى تباطؤ عجلة الإنتاج وتوقف المعامل عن الإنتاج لاحقاً، وسيحدث نقص هائل في السوق الدوائية المحلية لم تشهده سورية منذ أواخر الثمانينيات.
مستلزمات أساسية
وأشار فضلون إلى أن الصناعة الدوائية في سورية تعتمد في استمرارها على توفر قسمين من المواد اللازمة لصناعة الدواء: الأول، المواد الأولية الفعّالة وتُستورد بالكامل من الخارج مع العلم أن ما يزيد عن 90% من المواد الأولية يتمّ شراؤها بالدولار أو باليورو بسعر السوق وذلك لعدم وجود تمويل للمستوردات، والثاني، مستلزمات التصنيع من “سواغات” وعبوات زجاج أو بلاستيك وكرتون و”أمبول بلستر”.. إلخ، وتمثل قيمة هذه المستلزمات ما يتراوح بين 30 إلى 70% من تكلفة المشتريات الخاصة بالإنتاج، وهذه المستلزمات – بحسب فضلون – هي بأهمية المواد الأولية نفسها، حيث من دونها لا يمكن أن يكتمل الإنتاج، وبالتالي يتمّ شراؤها من السوق المحلية ولكن بالسعر المتغيّر مع سعر الصرف بالسوق الموازي.
إعادة التسعير
وفي السياق، أشارت المذكرة الصادرة عن المجلس العلمي للصناعات الدوائية إلى رئاسة مجلس الوزراء إلى أنه في السابق كانت المعامل الدوائية تتحمّل فرق سعر الصرف ما بين الرسمي والموازي، على اعتبار أن الفرق بين السعرين لا يتجاوز 25%، أما الآن وباعتبار أن المصرف المركزي لا يقوم عملياً بتمويل هذه الصناعة بشكل واضح فإن الفرق يصل إلى 250%، ولذلك يجب أن تأخذ إعادة التسعير بالاعتبار أن السعر 705 ليرات سورية هو غير حقيقي ويجب أن يضاف إليه تكاليف التحويل، إضافة إلى إعادة النظر بمفردات التسعير ومستلزمات صناعة الدواء وتكاليف التشغيل بما يتناسب مع تكاليف شرائها الفعلية.
وبيّنت المذكرة التي حصلت “البعث” على نسخة منها أن تعليمات الوزارة الخاصة بتسعير الأدوية الجديدة والفواتير الجديدة (حسب سعر 705 ليرات) لم تكن عادلة للسعر، وبالتالي سينتج عنها اضطراب كبير في سوق الدواء، وذلك لاعتبارات منها أن اقتصار التعديل على الأدوية الجديدة، والتي تقدم لها فواتير جديدة، سيؤدي حتماً إلى اضطراب تسويقي بسبب وجود أسعار مختلفة للصنف الدوائي نفسه، ونتيجة ذلك ستتوقف أصناف عن الإنتاج وستحصر أصناف وتخزن بانتظار رفع سعرها.
ركيزة
يُذكر أن الصناعة الدوائية في سورية هي الركيزة الأساسية للاقتصاد الصناعي الوطني لما توفره من تغطية لأكثر من 85% من حاجة السوق المحلية من الدواء وبسعر رخيص يعادل من 5 – 25% من سعر الدواء الأجنبي، الأمر الذي وفّر مليارات الدولارات على مدى سنوات كانت يمكن أن ترهق خزينة الدولة، كما أدّت هذه الصناعة دوراً وطنياً في سنوات الأزمة لجهة استقرار الوطن عبر توفير الأمن الدوائي في سورية رغم كل ما تعرضت له من صعوبات وتحديات.
Mohamdzkrea11@yahoo.com