الاستئناس.. دروس وعبر
أحمد حسن
ربما كان أفضل ما خلّفته تجربة “الاستئناس” الحزبي، على رغم المجريات والشوائب التي رافقتها – بل بسببها – أمران اثنان: الأول حالة الحوار الواسع – رغم تشنج بعضه – الذي رافقها وتلا بعض محطاتها بين البعثيين أنفسهم من جهة، وبينهم وبين بقية ألوان الشارع السوري السياسي والمثقف من جهة ثانية، والثاني الكشف النهائي عن الحاجة الملحّة، بل المصيرية بالمعنيين الحزبي والوطني، لأهمية العمل السريع والدؤوب على إخراج الحزب من حالة “الركود على المستوى الفكري والإجرائي”، كما وصفها الرفيق الأمين العام في كلمته الأخيرة، من أجل مواءمته مع متطلبات وتحدّيات وحقائق بيئة فكريّة وسياسيّة مستجدّة.
والحال فإن المعضلة التي كشفتها مشاكل “الاستئناس” يمكن، في هذه العجالة، اختصارها بنوع من سيادة العقلية ما قبل الحزبية على بعض أعضاء الحزب، وهو ما تمثّل في حضور “الولاءات الضيقة والعصبيات التي لا تنتمي للحزب وعقيدته الوطنية والقومية”، التي حذّر منها مسبقاً الرفيق الأمين العام، وتلك معضلة كاشفة، وجامعة، لأمراض عدة خطيرة.. أمراض لا يمكن علاجها ومواجهة عوارضها ونتائجها بالخطابات الحماسية الفضفاضة، ولا بالأوامر المكتبية، أو نداءات الصمود من “مسؤولين” حزبيين يرى البعثيون أنفسهم خارج اهتماماتهم الحقيقية، وتلك، للحقيقة، حالة مرضية كانت نتاجاً موضوعياً لظاهرة تحوّل الحزب من قيادة المجتمع، كما دعت أدبياته الفكرية، وكما كان في انطلاقته، إلى قيادة سلطة ودولة، وهو أمر كان له، عبر زمن مديد، أن يضعف من دوره الأساس بين الجماهير، بل يضعه أحياناً في مواجهتها، بسبب طبيعة السلطة اليومية والوقائع السياسية المفارقة في أوجه عدة للمبادئ النظرية الجميلة، ولكنه أيضاً، وتلك حقائق الأحوال، صنع حاجزاً بين المسؤول الحزبي وبقية أفراد المجتمع من جهة، وبينه وبين الحزبي الآخر من جهة ثانية، وتلك كانت النتيجة الأخطر، فلم يعد الأمر بين رفاق متساوين في المغانم والمغارم، بل بين بعثي مسؤول، على اختلاف درجات القيادة، يحظى بالمنافع، ومفاسدها، وبعثي عادي ليس له سوى حضور الاجتماعات المكرورة والمعادة كطقس آلي، والانصياع دون نقاش لقرارات القيادة الفوقية، وفوق ذلك تحملّ أخطائها ومغارمها.
والأخطر من ذلك، أن هذه التقسيمة، وهي طبيعية في كل حزب ومنظمة، لم تكن هنا، كما كانت في البداية، بحسب الكفاءة أو السابقية النضالية، بل بحسب “الحظوة” والقرابة والولاء الشخصي وسياسة تبادل المنافع، أي كل ما ثار عليه البعث سابقاً. وكان من الطبيعي، في هذا السياق، أن تصل إلى المواقع القيادية، على اختلاف درجاتها، فئات لا تعرف من الحزب إلا اسمه، ولا تريد منه سوى “بطاقة الانتساب” كغطاء لتحقيق أهدافها غير المشروعة في الأعم الغالب، ومثالها الأكثر غرابة، وتأثيراً سلبياً، أن يترشّح، وينجح، للعمل الوطني في مؤسسات الدولة المختلفة وباسم حزب الفقراء والطبقة المتوسطة بعض كبار المتمولين، والفاسدين، والفاشلين، بل وبعض أعداء الحزب الطبيعيين، وقد ثبت بالتجربة أنهم فئات “متخادمة” متعاضدة فيما بينها، وهذا، وسواه من تصرفات ووقائع، ما دفع “إلى عزوف البعض عن الانخراط في تحمّل المسؤوليات الوطنية والحزبية وخسارة العديد من الكوادر الكفؤة التي رأت في تلك الأخطاء ابتعاداً عن أخلاقيات حزبنا وقيمه، وربما انحرافاً عن أهدافه”.
بهذا المعنى لا يمكن، بعد اليوم، الاكتفاء بأنصاف الحلول من قبيل إعادة عملية الاستئناس في بعض الأماكن التي حصلت فيها تجاوزات، فهذا على أهميته وضرورة حصوله، لن يكون إلا حلاً موضعياً قاصراً يعالج واقعة محددة ويترك المعضلة الأصلية دون دواء شاف وهو ما يعني تفاقمها وتزايد أضرارها وصولاً إلى ما لا تحمد عقباه كما يعرف الجميع.
ففي مواجهة عالم لم يألفه، ولم يختبر تحدياته واستحقاقاته، أولئك الذين اجتمعوا في مقهى الرشيد الصيفي منذ عقود عدة، ربما أصبح الحزب بحاجة إلى صدمات قد ترقى إلى مستوى التأسيس الثاني، وربما يكون الوضوح النظري خطوتها الأولى، وخاصة في مسألتين: الأولى، كيفية التعامل مع “الجماهير” – الجماهير البعثية أولاً – في ظل ثورة الاتصالات الهائلة التي فتحت للجميع، وتحديداً الشباب، فضاءات مفتوحة للمعرفة والموازنة والمقارنة والتعبير والاحتجاج والنقد والتعبئة. والثانية، القضية الاجتماعية الاقتصادية وانحيازات الحزب الحقيقية فيها، فأين الحزب اليوم من “الاشتراكية” بعد أن اتبع رسمياً سياسة اقتصاد السوق الاجتماعي، بتطبيقها الرأسمالي المتوحش، وكانت نتيجتها الأخطر ضرب بيئة الحزب ذاتها عبر إفقار بقايا الطبقة الوسطى ودفعها باتجاه القاع لمصلحة فئات يقل عددها وتتزايد ثرواتها باستمرار، وهو ما دفع الطبقات “المفقرة”، وبعضها بعثيّ تاريخي، أكثر فأكثر نحو اليمين الاجتماعي والديني، وذلك أمر يحتاج إلى مجال آخر لكلام أعمق فيه.
وبالطبع، سيقول البعض: ذلك أمر يطول!! حسناً.. لنبدأ أولاً في استعادة الحزب لـ “البعثيين” المؤمنين به فكراً ودوراً ومصيراً، واستبعاد، أو التقليل ما أمكن، من سطوة “الحزبيين” و”الوصوليين” الذين دخلوه أملاً بمغانم السلطة ومكاسبها لا دفاعاً عن حقوق “العمال والمثقفين الثوريين وصغار الكسبة..”، وهذا يتطلب جعل المسؤولية الحزبية، والوطنية، مغرماً لا مغنماً، وثانياً بفتح المجال أمام النقاش الحر والعلني و”الأسئلة”، ولو كان بعضها حاداً، وثالثاً استخدام “الكي” كأول العلاج وليس آخره، فالزمن ليس زمن المسكنات الموضعية.. القاتلة في المحصلة النهائية.
كتبَ صفوان القدسي :
قناعات متجذرة في عقلي وفي وجداني :
1- الأفكار التي تولد في القطب الشمالي ، سرعان ما تذوب وتتبخر عندما تنتقل إلى خط الاستواء .
2- ما يصلح لمجتمع من المجتمعات ، لا يصلح لغيره من المجتمعات .
3- العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة .
4- الديمقراطية ، هكذا يقول فيلسوف بريطاني ، هي اتفاق الأغبياء .
5- رفاقنا في ( البعث ) تصرفوا خلافاً لكل ما قاله الرئيس
بشار الأسد
في كلمته التوجيهية ، العميقة والرائعة ، بخصوص عملية الاستئناس .
6- 300 ألف بعثي ، أفضل بما لا يقاس من 3 ملايين حزبي .
7- لا توجد فكرة صحيحة وأخرى خاطئة ، وإنما توجد فكرة صالحة للتطبيق ، وفكرة تستعصي على التطبيق .
8- هناك خصوصية وطنية وقومية هي الحاكمة بأمرها ، ولا بد من الإذعان لها والانصياع .
9- الحقيقة واحدة ، والخطأ متعدد .
10- المبادئ هي الإبنة الشرعية لثقافة المجتمع وتاريخه وتراثه وتجاربه وخبراته المتراكمة .
نشر رياض د. رياض عواد
التعقيب الآتي :
كلام من جواهر وألماس ودرر بقلم ناصري- اسدي مؤمن بكل قيم الحق والحقيقة . نعم ، خلال سنوات الحرب الكونية على عرين الاسد البشار ، تسلّلت مجموعة كبيرة من المتسلقين والمتزلفين والانتهازيين وغيرهم، إلى صفوف حزب البعث، نتيجة التنسيب العددي وليس النوعي، مما أدى إلى أن الكثير من هؤلاء أصبحوا هم المسيطرين خلال الإستئناس الذي يقوم به الحزب لاختيار مرشحيهم ، وكأنك يا زيد ماغزيت . وسيصعد المتسلقون والمتزلفون والانتهازيون الى مجلس الشعب . كل التقدير والاحترام لكم استاذنا المفكر والمناضل الناصري- الاسدي الموقر .
د. رياض سليمان عواد