تحقيقات

رغم ضرورتها.. التكنولوجيا تخطف براءة الطفولة.. و الإدمان يهدد مستقبلها !

“تيم تيم .. عم ناديك ماما ليش ماعم ترد!! أسف ماما ماسمعتك شارد باللعبة” مشكلة تعاني منها معظم الأمهات وربما جميع الأسر، وهي انشغال الأبناء بألعاب الموبايل والانفصال التام عن العالم الخارجي لدرجة إهمال وجبات وتنبيهات الوالدين وحتى الإصغاء لأوامرهم وانعدام الرغبة باللعب خارج حدود شاشة الأجهزة الذكية.

تكنولوجيا..!
لم تعد طفولة اليوم هي نفسها بالأمس، فالتكنولوجيا المتسارعة خطفت البراءة والطفولة وحرمت الصغار من التمتع بأجمل مراحل الحياة، ولاسيما إن كانت متابعة الانترنت تتم خارج معرفة الأهل ومتابعتهم “ياريت مااخترعوا الموبايلات” يقول أبو وسيم: تعلق ابني بجهاز الموبايل كثيراً لدرجة أنه يفهم تطبيقاته أكثر مني ويصاب بحالة هيستريا فظيعة عندما أحاول أخذ الموبايل منه، ليدخل بنوبة بكاء طويلة تنتهي بانصياعي لرغبته خوفاً عليه” تتقاطع مشكلة أبو وسيم مع أم زين إذ تقول: لي ثلاثة أولاد تتراوح أعمارهم بين الأربع سنوات والاثني عشر عاماً أعطيهم “موبايلي” بالتراتب كل واحد ساعة لأتخلص من صراخهم وضجيجهم وكي أتمكن من ترتيب المنزل وطهي الطعام بهدوء” أما والدا سيف ذي الـ 11 عاماً فوجدا نفسيهما بمأزق لا يمكن الخروج منه، فبعد تقديمهم هدية لابنهم بعيد ميلاده وهي عبارة عن جهاز لوحي “تابليت” لم يعد سيف يبرح غرفته وفقد الرغبة – والقول لهما- بزيارة بيت الجد أو اللعب مع أصدقائه إلا في حال السماح له بأخذ الجهاز معه ليجلس منعزلاً وحيداً.

وللكبار دور
قد نعتقد أن ألعاب الموبايل والتسمر أمام شاشات التلفزيون وأجهزة الحواسيب حكر عل الصغار فقط، لكن للأسف هناك آباء وأمهات مدمنون على تلك الأجهزة أكثر من الأطفال وكثيراً ما نرى أصحاب البيت الواحد أي العائلة كل فرد منهم ممسك بجواله ويعيش عالمه الخاص، ما يحدث فجوة في البيت الواحد، أم رامي قالت: زوجي مدمن “بوبجي” يقضي الليل بطوله وهو يلعب وولدي رامي في الصف الأول الابتدائي يعي كل ما يجري وأنا متأكدة أنني لن أتمكن من السيطرة عليه لأن الذي يتوجب أن يكون قدوته لا يترك الموبايل أبداً، وكثيراً ما نتشاجر لهذا السبب لكن دون فائدة، وأبو رامي مثال عن رجال كثر يدمنون اللعب على الموبايل فيغدون كالأطفال، والأمر لا يتوقف عند الرجال فقط، فالكثير من النساء لديهن نفس المشكلة “المرضية” جهاز الموبايل، وكثيراً ما يتم إهمال الأبناء لهذا السبب وفي الكثير من الأوقات يعطى الطفل جهاز أحد الوالدين للتخلص من “نقه” وأسئلته غير المبررة على حد تعبير بعض الآباء والأمهات، ناسين أو متناسين عن قصد إن كثرة الأسئلة عند الطفل دليل ذكاء وسعة الأفق.

رأي علم النفس
بالرغم من الآثار الإيجابية للتكنولوجيا في تطوير الأطفال وقدراتهم وتنمية مستوى ذكائهم، إلا أن علم النفس يرى أن هناك سلبيات خطيرة لها في حال استخدمت بشكل خاطئ كالتأثير السلبي للذاكرة على المدى البعيد، إذ أصبح الأطفال يعتمدون عل الأجهزة الحديثة في تذكر الأمور، ما أدى إلى كسل في استخدام الدماغ وعدم محاولة تدريب الذاكرة على تذكر أي حدث أو رقم أو تاريخ بالتالي خلق جيل كسول اتكالي غير قادر على مواجهة المشكلات، كما أن الجلوس الطويل أمام الأجهزة الذكية يؤدي إلى إجهاد الدماغ، ما يسبب العصبية والتعب والإرهاق والصداع بسبب الإشعاعات التي تصدر منها وتؤثر بشكل مباشر على العين إذ قد يشعر الطفل بقصر النظر أو جفاف العين إلى جانب الآثار السلبية للانحناء .

دون رقابة
يبدي الكثير من الأهالي قلقاً شديداً حيال اقتناء أطفالهم أجهزة ذكية وقضاء الوقت بطوله على الانترنت دون رقابة، فالمواقع المتنوعة أصبحت متاحة للجميع ولايمكن إبعاد الأبناء عنها، إلى جانب ذلك فإن إدمان الأطفال على الألعاب الإلكترونية بعيداً عن متابعة ومراقبة الأهل لهم يعتبر في علم النفس مفتاح الأمراض النفسية، إذ تساعد على الانطوائية والعزلة وتتسبب ببعض الأمراض النفسية، وخلصت دراسة ألمانية إلى القول: “إن عشرين في 80% من الآباء لا يراقبون ما يتصفحه أطفالهم على الانترنت، وهم لايدركون حجم المخاطر التي يتعرض لها الأبناء أثناء استخدام الحاسبات اللوحية والهواتف الذكية دون رقابة”، وحقيقة أننا جميعاً غير محصنين في مواجهة مشكلات الانترنت واقع لا مفر منه لكن يبقى الأطفال الشريحة الأكثر تعرضاً وضعفاً أمام مخاطر التكنولوجيا، حيث خلصت الدراسة الألمانية أنه ولحماية الأبناء من الضروري تفعيل خواص التأمين وحماية الخصوصية تلقائياً على الأجهزة وكذا استخدام مرشحات محركات البحث على الانترنت، ووجدت الدراسة أن الأطفال المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 إلى 16 عاماً هم الفئة العمرية الأكثر عرضة للتهديدات على شبكة الانترنت مقارنة بالفئة العمرية الأصغر من سن 18 إلى 12 عاماً، وخلصت الدراسة إلى أن الأطفال الذين يقضون ما بين أربع إلى ست ساعات في استخدام الأجهزة الرقمية تتراجع إمكانية إنجازهم للفروض الدراسية بنسبة 49% مقارنة بأقرانهم الذين يقضون ساعتين فقط في استخدام هذه الأجهزة وتتراجع هذه النسبة إلى 63 % لدى الأطفال الذي يقضون ست ساعات أو أكثر.

لكورونا دورها
الخبيرة الاجتماعية والنفسية لمى الصفدي قالت: من المؤكد أن ساعات لعب الأطفال على الموبايل زادت في الوقت الحالي لأن المدارس أغلقت أبوابها مبكراً والبديل مفقود حالياً باعتبار الجو غير مناسب، وعلى الأهل عند ملاحظة زيادة ظاهرة العند عن أطفالهم أو التذمر واضطراب ساعات النوم وقلة الأكل، التقليل من ساعات جلوس أبنائهم على الأجهزة الحديثة التي تشتت الانتباه وتكون سبباً لمدخلات كثيرة غير مصرفة وبالتالي يحتاج لتصريفها تأتي بطريقة غير صحيحة على شكل العند والصراخ، ورأت الصفدي أنه من الضروري إبعاد الطفل عن الموبايل قبل موعد نومه بساعتين بشكل تام، لكي يستريح الدماغ ويستعد للنوم بشكل صحيح، وتحديد ساعات متابعة الانترنت بساعتين أو ثلاث مقسمة في النهار وأكثر من ذلك يعتبر مضرّ للأطفال والدماغ، وبما أن الجو مناسب بات بالإمكان الخروج وممارسة بعض الأنشطة، ورأت الخبيرة ضرورة استغلال ذلك ليعيش الأبناء طفولتهم والرجوع بالذاكرة إلى طفولة الآباء التي كانت بسيطة باعتبارها كانت معظمها تمارس في الطبيعة فكانت حقيقية وأكثر صحة مما يعيشه الأطفال اليوم.
نجوى عيدة