من مؤسسيه في الحسكة.. عصام المانع: المخلصون للمسرح قلة!
هو أحد مؤسسي المسرح في محافظة الحسكة، ومن رواده، مازال اسمه راسخاً في أذهان محبي المسرح، دخل المجال الفني بداية كممثل منذ أن كان عمره سبع سنوات، حيث كانت البداية بأربع مسرحيات، وقد لفت الانتباه على المسرح لحسن أدائه رغم صغر سنه، ثم توالت مشاركاته مع الفرق التابعة للمدارس والأندية بين عامي ١٩٥٧ و١٩٧٠.
في ظروف صعبة
يبيّن المسرحي عصام المانع في حواره مع “البعث” أنه في مرحلة لاحقة اتجه للتأليف، ومن أعماله “الطبيب النفساني- التلفزيون العجيب- ثلاثة من المريخ”، ولنجاحه في هذا المجال كُلف بإدارة المسرح المدرسي في الحسكة، كما اشترك في مهرجان السويداء بمسرحية “أبو الحسن” تأليفاً وإخراجاً، حيث نال فيه إحدى الجوائز ليُخرِج بعد ذلك لمنظمة الطلائع مسرحية “زياد يبحث عن أبيه”، تأليف معشوق حمزة، وقد صوّرت للتلفزيون، ثم قام بتأليف مجموعة من المسرحيات الفكاهية، أهمها “دزينة أبر- المضحك المبكي”، وكلاهما من إخراجه، مشيراً إلى أنه ومن معه عملوا في ظروف صعبة، حيث لم تكن هناك جهة تشرف عليهم، فكانوا يصممون الديكور ويصنعونه من مصروفهم الشخصي، وكانوا يتدربون على ضفاف الخابور عندما تغيب الشمس ويقل عدد المتنزهين، ومن ثم يقدمون أعمالهم في دور السينما لوجود مسرح يتيم التجهيزات.
مرحلة الإخراج
يشير المانع إلى أنه بعد عام ١٩٧٠ انتقل من مرحلة التمثيل إلى مرحلة الإخراج، فازدادت مشاركاته في المهرجانات الخاصة بالشباب والطفولة، ومهرجانات الهواة التي كانت تشرف عليها وزارة الثقافة والشبيبة معاً في مدينتي دمشق وحلب، فكانت مشاركته الأولى مسرحية “جثة على الرصيف” لسعد الله ونوس، وكانت من بطولته وإخراجه، ومشاركة مجموعة من الفنانين ممن لمع اسمهم في مجال الفن والإخراج، وكانت المسرحية الأولى لمحافظة الحسكة، وفي عام ١٩٧٤ أنجز تأليفاً وإخراجاً مسرحية “البيدر” التي شارك فيها أكثر من خمسين شاباً وشابة من ممثلين وعازفين ومطربين وراقصين، وقد احتلت المرتبة الثانية في أحد المهرجانات وصوّرت تلفزيونياً، ليقدم عام ١٩٧٥ مسرحية “مغامرة رأس المملوك جابر” لسعد الله ونوس في أحد المهرجانات بحلب، ونالت المرتبة الثانية، وفي عام ١٩٧٦ قدم مسرحية “الطريق إلى كوجو”، ومسرحية “الوصية” من تأليفه وإخراجه، ثم اتجه لدمشق وقدم فيها مسرحية “الزير سالم” لألفريد فرج على مسرح الحمراء، وحققت نجاحاً باهراً، كما اعتبرتها اللجنة التحكيمية من أفضل ما عرضه المسرح القومي، ثم قدم مجموعة عروض في الحسكة ودمشق وحماة وحلب كمسرحية “ثورة الزنج” الشعرية لمعين بسيسو.
المسرح الجوال
يعتز عصام المانع بعمله مع فرقة المسرح الجوال التي كانت تقدم أعمالها في الأرياف والمناطق النفطية، حيث تجمعات العمال والفلاحين، وكان معظمهم يشاركون في الغناء والتمثيل، مشيراً إلى أن آخر أعماله كانت مسرحية “حمار الشاهد” للكاتب المغربي الطيب العلج، حيث انتقل بعدها للعمل خارج القطر، ليعود للعمل الإعلامي الإذاعي والتلفزيوني في مدينة دير الزور حتى عام ٢٠١٠.
نقلة نوعية
يؤكد الفنان المانع أنه بفضل التمثيل الذي برع به في بداياته امتلك الجرأة والمعرفة والتعمق بكل التفاصيل، والتحدث باللغة العربية الفصحى بشكل جيد، إلى جانب الشهرة، ومحبة الآخرين، وتكوين صداقات مع أهم الممثلين والمخرجين، موضحاً أنه خلال مسيرته المسرحية، سواء على صعيد التمثيل أو التأليف أو الإخراج، كان يفضّل الأعمال التاريخية والكوميدية الهادفة ذات الموقف، والبعيدة عن التهريج والضحك من أجل الضحك، منوّهاً إلى أن أعمالاً عديدة شكَّلت نقلة نوعية في مسيرته حصل من خلالها على جوائز، وعرّفت الجمهور والنقاد به وبجدارته آنذاك، منها “البيدر- مغامرة رأس المملوك جابر- الزير سالم- قصة حديقة الحيوان”، منوّهاً إلى أنه تميز كمخرج بجديته في العمل أكثر من اللازم، والمرونة في أحيان قليلة، مع التركيز الشديد على الدقة في المواعيد، واللغة العربية، ومخارج الحروف في الإلقاء، وإشراك الفنانين الموهوبين في مجال الديكور، والإضاءة، والموسيقا التصويرية، والغناء، والرسم، والحرص على متابعة العروض المركزية، والمهرجانات، وما يعرضه التلفزيون.
مسؤولية كبيرة
يوضح المانع أنه اتجه للإخراج بعد التمثيل لأن بعض المخرجين الهواة تركوا المسرح لأسباب عدة، منها الدراسة أو السفر، فأحس أن الاستمرار مسؤوليته وواجبه في ظل الظروف التي شكّلت دافعاً قوياً لديه لإثبات وجود المسرح في محافظة الحسكة، مبيّناً أن الإخراج كان مسؤولية كبيرة تحتاج إلى دراسة النص وتقييمه، والاهتمام بالفكرة، وظروف ونوعية الجمهور، وانتقاء اللباس والديكور والإضاءة والسينوغرافيا، والاستعداد للإجابة عن كل التساؤلات، وتقبّل كل ردود الفعل، في حين أن مسؤولية التمثيل كانت محدودة بالمقارنة، حيث كانت تحتاج لفهم الشخصية بالتعاون مع المخرج، وحفظ النص، وحضور التدريبات في الوقت المحدد، وأن يتذكر دائماً أنه الوجه الأول للعمل الفني، مشيراً، وهو الذي خبر المسؤوليتين، إلى أنه وجد المتعة في كل مراحل العمل المسرحي تمثيلاً وإخراجاً وتأليفاً، لكنه وجد نفسه أكثر في الإخراج، خاصة أنه كان مسؤولاً فنياً في منظمتي الطلائع والشبيبة، في حين اتجه للتأليف بسبب الواقع والظروف، حيث كان مضطراً للتأليف والإعداد والتوليف رغم قناعته بأنه ليس كل من كتب مؤلفاً، حيث المؤلف الحقيقي هو ابن العلم والتجربة والنجاح والفشل والموهبة والتمكّن والرؤية المسرحية والمعرفية والثقافية.
خارج السرب
يرى عصام المانع أنه في الماضي كان هناك إخلاص للمسرح من قبل الفنانين، وحماسة وقناعة كبيرة به من قبل الهواة، ويؤسفه أن المخلصين له اليوم هم قلة، ويعتقد أن التلفزيون وشبكات التواصل واليوتيوب لعبت دورها في إبعاد الجمهور عن حضور الأعمال المسرحية، ولأن معظم الأعمال تقدم اليوم موضوعات بعيدة عن مشاكل الناس ومعاناتهم، الأمر الذي جعل المشاهد يشعر أنه خارج السرب فابتعد عن حضور المسرح، وهو اليوم وبعد مسيرة طويلة من العمل في مجال المسرح خرج بنتيجة أن المسرح مهم جداً كوسيلة تثقيفية إبداعية وترفيهية تعالج المشاكل، لذا على المعنيين التركيز على المسرح المدرسي التعليمي، وبناء مسرح في كل مدرسة، وتزويده بنصوص يتم إعدادها خصيصاً للطلبة، وكذلك تنشيط المسرح الجوال.
أمينة عباس