وجعلنا من الموسيقا كل ذاكرة حيّة
لينا أحمد نبيعة
تأخذنا الموسيقا إلى عوالمنا البعيدة والقريبة، ترمينا في أحضان من الشوق لا قلب لها، وفي كل مرة تعطينا درسا بالحنين، ولكل قلب طريقته بفك رموز شيفرة هذا الحنين، تبعا لما يضج به من أحداث وذكريات.
ينفرد كل منا بطريقته وأسلوبه وتوقيته بالاستماع للموسيقا ولأغانيه التي يحب، فمن النادر أن استخدم أذنيّ لهذه المهمة، فقلبي يسمع، قلبي يترجم، قلبي يحّن، يضحك حد البكاء، يمسح الدمع ويواصل ما خطته له الحياة بلا موعد مسبق.. مطلع أغنية كفيل بجعل شريط العمر يمر بلمحة عين بكل ما أوتي من ألم وفرح ووجع.
كنت ومازلت أعاني من دخول موجع لأغنية في مقلتيّ، وأقول ممازحة لأخبىء دمعي الذي يحتال هو والقدر علي “خلص ولو.. ما حدا يحاكيني، دخلت بعيني غنية بحبها كتير.. وبتوجعني أكتر بكتييير!!”.
“لما بغني اسمك، بشوف صوتي غلي..”، تلك كانت رنة رقم جوال البابا رحمه الله في جوالي، وحتى اللحظة عندما تطرق مسمعي، يكاد قلبي يقفز من قفصه الذي يحتضنه، وللحظة أنسى أن أبي قد فارقني، وبأنه يهاتفني ليقول لي: “اشتقتلك رموش”.. هي لحظات لا أحسد عليها أبدا.
“غزل الهوى مغازل”، مثل هكذا أغنيات تأخذنا لحبنا الأول، وترمينا على عتبات مراهقتنا الجميلة، وندخل في غيبوبة لذيذة من الضحك، على ما كنا عليه من بساطة وحرية مفتوح بابها على جهاته الأربع، وأغنيات أخرى مجرد سماع النقرات الأولى من موسيقاها، تجعلنا نصاب بنوبة هيستيرية من الجنون، لا تقل جنونا عما تحمله من أحداث وذكريات.
“منتصب القامة أمشي.. مرفوع الهامة أمشي..”، كانت هذه الأغنية ومازالت شارة البدء، لضخ روح الثورة، وحب الوطن فينا، تجعلنا ننهض من ثباتنا كالنابض، مهما تقدم بنا العمر وجارت علينا الأحداث،
بالمختصر.. هذا النقر المدهش والجميل للموسيقا على جدار قلوبنا، من وقت لآخر، يحيي الذاكرة، وينفض عنها غبار الوقت، ويبدل لحاء الملل، وينفخ فيها الروح من جديد.