تزايد غير مسبوق في جرائم القتل والاغتصاب.. والعلاج بنشر الوعي والتربية الجنسية
خلّفت الأزمة التي نعيشها خللاً اجتماعياً كبيراً، وكثرت في الآونة الأخيرة بشكل ملفت وغير معتاد جرائم القتل والاغتصاب، حتى بين فئة الأحداث الذين هم تحت السن القانوني، وهي حالات ليست فردية، وإنما انتشرت بشكل ينذر بخطر كبير يلم بالجيل الجديد، وفي ظل انتشار وسائل الاتصال الحديث والهواتف النقالة في متناول يد الأطفال، ما جعلهم يقلّدون تقليداً أعمى ما يشاهدونه من أفلام ومقاطع فيديو منتشرة بكثرة على مواقع التواصل، وربما جاذبة لهم، وهذا يعكس خللاً في المجتمع، وغياب التوعية ودور الأهل في هذا المجال، وتحصينهم ضد هذا الغزو الثقافي والأخلاقي الذي يهدف إلى تهديم الجيل، وتغييب القيم، وقتل كل ما هو جميل في الروح الإنسانية.
ثقافة القتل
يبيّن الاختصاصي في الإرشاد الاجتماعي ماهر شبانه أن ﺍﻧﺘﺸﺎﺭ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﺳﺘﺴﻬﺎﻝ ﺍﻟﻘﺘﻞ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﻦ ﻭﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺃﻣﺮاً ﻣﺤﺘماً ﻓﻲ ﺣﺎﻝ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻼﺩ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﺗﻌﻴﺶ ﻟﻔﺘﺮﺓ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﻭﺍﻟﻜﻮﺍﺭﺙ، ﺃﻱ ﺗﻮﺍﻓﺮ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺃﻣﺎﻡ ﺃﻋﻴﻦ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻟﻴﺼﺒﺢ ﺃﻣﺮﺍً ﻋﺎﺩﻳﺎً ﻳﺘﻢ ﺍﻟﺘﻜﻴﻒ ﺍﻟﺴﻠﺒﻲ ﻣﻌﻪ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺣﺼﻞ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﻳﺔ ﻭﺑﻌﺪ ﻣﺮﻭﺭ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻭﺍﻟﻘﺘﻞ ﺍﺳﺘﺴﻬﻞ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺍﻟﻘﺘﻞ ﻟﻴﺼﺒﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺠﻤﻌﻲ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﻔﺮﺩﻱ، ويضيف: هذا ﻣﺎ ﻳﻔﺴﺮ ﻟﻨﺎ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺠﺮﻳﻤﺔ، ﻫﻨﺎ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺘﻮﻗﻒ ﺃﻣﺎﻡ ﻧﻮﻋﻴﺔ ﺍﻟﺠﺮﻳﻤﺔ، ﻓﺎﻟﺠﺮﻳﻤﺔ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻭﻗﺖ ﻭﺑﺄﻱ ﺑﻠﺪ ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻌﺶ ﺍﻟﺤﺮﺏ، ﻟﻜﻦ ﻧﻮﻋﻴﺔ ﺍﻟﺠﺮﺍﺋﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﺮﺯﻫﺎ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻓﻲ ﻧﻮﻋﻴﺘﻬﺎ ﻋﻦ ﺟﺮﺍﺋﻢ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ، ﻓﻔﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻧﺮﻯ ﺍﻟﺠﺮﺍﺋﻢ ﻳﺘﻔﻨﻦ ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ ﺑﺄﺳﺎﻟﻴﺐ ﺍﻟﻘﺘﻞ، ﺳﻮﺍﺀ ﺑﻬﺪﻑ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻡ ﺃﻭ ﺑﻬﺪﻑ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻼﻙ ﺍﻟﻐﻴﺮ، ﺃﻭ ﺣﺘﻰ ﻹﺧﻔﺎﺀ ﺟﺮﻳﻤﺔ ﺍﻏﺘﺼﺎﺏ، وﺗﻌﻮﺩ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﺮﺍﺋﻢ ﻟﺘﺮﺳﺒﺎﺕ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﻣﻤﺎ ﻳﺸﺎﻫﺪ ﻣﻦ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﻣﺘﺒﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺘﻞ، ﻭﺧﺎﺻﺔ ﺍﻟﻤﺄﺧﻮﺫﺓ ﻋﻦ ﺣﺮﻭﺏ ﺍﻟﻌﺼﺎﺑﺎﺕ ﻛﻤﺎ ﺭﺃﻳﻨﺎ، ﻛﻤﺜﺎﻝ ﺩﺍﻋﺶ ﻛﻴﻒ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﺘﻜﺮ ﺍﻟﺘﻠﺬﺫ ﻓﻲ ﻗﺘﻞ ﺍﻟﻀﺤﻴﺔ، ﻭﺗﻨﺸﺮ ﺍﻟفيدﻳﻮﻫﺎﺕ ﻟﻠﻌﻠﻦ ﻟﻴﺮﺍﻫﺎ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ.
الوعي وسلطة القانون
يقول شبانه: ﻳﺄﺗﻲ ﺩﻭﺭ ﺍلأﻫﻞ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ للأﻃﻔﺎﻝ ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﻫﻘﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﺡ ﻟﻬﻢ أﻭ ﻣﺸﺎﺭﻛﺘﻬﻢ ﻣﺸﺎﻫﺪﺓ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻔيدﻳﻮﻫﺎﺕ ﺩﻭﻥ ﺭﻗﺎﺑﺔ ﺣﻘﻴﻘية ﺗﺒﺪﺃ ﺑﺎﻟﺘﻮﻋﻴﺔ ﺣﻮﻝ ﺧﻄﻮﺭﺓ المشاﻫﺪﺓ، ﺑﺎلاﺿﺎﻓﺔ ﻟﻠﺪﻭﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺮﺍﻩ ﻓﻲ ﺟﺮﺍﺋﻢ ﻧﺸﻬﺪﻫﺎ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻓﻲ ﺗﺸﺠﻴﻊ ﺑﻌﺾ الأﻫﺎﻟﻲ أﺑﻨﺎءهم ﻻﺭﺗﻜﺎﺏ ﺟﺮﺍﺋﻢ ﺗﺤﺖ ﺷﻌﺎﺭ “ﻏﺴﻞ ﺍﻟﻌﺎر”،
وحول الرادع، وكيفية تحصين الجيل من مغبة الوقوع في هذا المستنقع، أوضح شبانه أن ﺍﻟﺮﺍﺩﻉ ﺍلأﻭﻝ ﻭﺍلأﺧﻴﺮ ﻟﻀﺒﻂ ﺍﻟﺠﺮﺍﺋﻢ ﻫﻮ ﺳﻠﻄﺔ ﺍلأﻣﻦ ﻭﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺼﺎﺭﻡ، ﻭﻻﺑﺄﺱ ﻣﻦ إﻇﻬﺎﺭ ﺑﻌﺾ ﻋﻘﻮﺑﺎﺕ ﺍﻟﻤﺠﺮﻣﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻸ ﻟﺘﻜﻮﻥ ﻋﺒﺮﺓ لكل ﻣﻦ ﺗﺴﻮل ﻟﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺴﻬﻞ ﺍﻏﺘﺼﺎﺏ أو ﻗﺘﻞ إنسان آخر، ﻭأﻳضاً ﺗﻠﻌﺐ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺩﻭﺭﺍً ﻣﻬﻤﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺩﻉ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺗﺤﺮﻳﻢ ﺃﻱ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺘﻞ ﺗﺤﺖ ﺃﻱ ﻣﺴﻤﻰ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻠﺠﻮﺀ ﻟﻠﻘﻀﺎﺀ، ﻭﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻟﻨﺒﺬ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﺤﻤﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻜﺮ، وﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﺗﺤﺼﻴﻦ الأﺟﻴﺎﻝ بإﻇﻬﺎﺭ ﻋﺎﻗﺒﺔ ﺃﻱ ﺳﻠﻮﻙ ﻋﺪﻭﺍﻧﻲ ﻗﺪ ﻳﻘﺪﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺸﺨﺺ، ﻭﻧﺸﺮ ﺍﻟﺘﻮﻋﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍلأﻫﺎﻟﻲ ﻓﻲ تنشئة أﻃﻔﺎﻟﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﻭﺍﻟﻤﺤﺒﺔ، ﻭﺣﻞ ﻣﺸﻜﻼﺗﻬﻢ ﻋﺒﺮ ﻗﻨﻮﺍﺕ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﻭﻟﻴﺲ ﺑﻴﺪﻫﻢ، ﻭﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺴﻠﺒﻲ ﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﻮﺍﺻﻞ ﺍﻻجتماعي ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺳﺘﺴﻬﻠﺖ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ لأﺳﺎﻟﻴﺐ ﺍﻟﻔﺘﻚ ﺑﺎلأﺷﺨﺎﺹ ﻭإﺧﻔﺎﺀ ﺍﻟﺠﺮﺍﺋﻢ، ﻭﺧﺎﺻﺔ أﻥ ﺍﻟﻐﺰﻭ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻢ ﺍﻟﻐﺮﻳﺒﺔ ﻋﻦ ﻗﻴﻤﻨﺎ ﻭﻋﺎﺩاﺗﻨﺎ أديا ﻟﻼﻧﺤﻼﻝ ﺍلأﺧﻼﻗﻲ ﻭﺍﻟﻘﻴﻤﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻧﻮﺍﺓ ﺍﻟﺠﺮﻳﻤﺔ.
غرائز ودوافع
ترى د. ريم سليمون، عميد كلية التربية في طرطوس، أنه بعد عشر سنوات من حرب ظالمة، حرب عسكرية وفكرية واقتصادية، وحرب وجود، لابد أن تظهر نتائج وآثار سلبية على جميع الأصعدة، ولكن من يدفع الثمن هم الفئات الضعيفة من حيث العمر والصحة والتعليم، والضحية الأكبر دوماً هم الأطفال الذين لم يتمكنوا من استراتيجيات المواجهة لأي خطر، ولم تزودهم بها لا الأسرة ولا المدرسة، وفي ظل غياب الأهل، ورمي أطفالهم أسرى لوسائل الإعلام ووسائل الاتصال، وغياب التربية المدرسية والمجتمعات، وعدم توافر أماكن آمنة لممارسة النشاطات، وقع الأطفال رهينة لما يشاهدونه ويسمعونه دون وجود المرشد أو الشخص الناضج الواعي للاستفسار عن أي مشهد أو قضية، ولدى الإنسان غرائز ودوافع بيولوجية يتشابه بها مع الكائنات الأخرى، ويأتي إلى الدنيا مزوداً بها، لكن التربية السليمة والمناهج الجيدة تساعدانه وتعلّمانه كيفية التحكم وضبط هذه الدوافع، وفي غيابها يطغى الجانب والسلوك الحيواني على الجانب الإنساني، وبالتالي يتحول الإنسان إلى مجرم، لا قيود ولا ضوابط أخلاقية.
تربية جنسية
وأكدت سليمون أنه من الواجب في المرحلة ما بعد الحرب، وما بعد هذه الصدمات، على دور الأسرة في اكتساب المهارات الأساسية في الحياة، والتكامل بين عمل الأسرة والمدرسة في غرس السلوكيات الصحيحة، ونمو الشخصية المتوازنة، وتفعيل دور المنظمات والهيئات والجمعيات، وفرض الرقابة على وسائل الإعلام والاتصال من قبل الأهل والدولة، و تفعيل دور الإرشاد النفسي والاجتماعي لمن تعرّضوا للصدمات، وتضمين مفردات ومفاهيم التربية الجنسية في مناهج التعليم من الصف الأول وحتى الجامعة،
ويجب البدء فوراً بحملات توعية بمختلف الوسائل للحد من هذه الظواهر، وتفعيل القوانين، ومحاسبة شديدة لمرتكبي الجرائم من البالغين، والتأهيل النفسي والتربوي لمرتكبي الجنح والجرائم من القاصرين، وعودة جميع التلاميذ إلى مدارسهم، وبشكل خاص للمتسربين من المدارس.
رشا سليمان