“المهاجر” مشروع تخرج بإشراف عروة العربي
عدا عن الأصوات الخارجة من إحدى صالات دار الأوبرا، حيث تُجرى الاستعدادات لعرض فني سيُقدم بعد قليل من الوقت للجمهور، هناك أيضا أصوات أليفة الوقع تخرج من الصالة المجاورة، الصالة متعددة الاستعمالات.. ١٤ شابا وشابة يشتغلون الآن ليكونوا بكامل ألقهم وطاقتهم وهم يواجهون للمرة الأولى الجمهور الذي سوف يكون عماد نجاحهم في عملهم الفني في قادم الأيام. إنه مشروع تخرج طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية/ السنة الرابعة/ قسم تمثيل، والبروفات التي تجري للتجهيز له تتم بإشراف الفنان والمخرج المسرحي عروة العربي، على قلب وساق.
المخرج الذي كان له أن أشرف على عدة مشاريع تخرج للأكاديمية السورية للفنون، والذي بقي وفيا للمكان الذي تلقى تعليمه الأكاديمي فيه، مشتغلا بكل إرادة ومحبة في كل ما من شأنه أن يُعلي من قيمة المسرح، عالمه الحقيقي بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وأعماله المسرحية تدل عليه، لا يخوض كما هو معلوم عنه، بأي حديث إعلامي عن أي عمل يشتغل عليه، حتى ينهيه ويترك للجمهور الحكم، وله في ذلك حجته الدامغة، فهو فنان أكاديمي ومخرج مسرحي له بصمته الخاصة في المسرح، وهو يعلم جيدا أن الحديث عن عمل فني قبل خروجه للجمهور، يُصادر بطريقة ما رأي الجمهور نفسه، لكنه حدثنا عن عرض “المهاجر” مشروع التخرج، مبَيّنا فيه بعض ملامحه العامة.
“نحن اليوم في دار الأوبرا، نجري التدريبات على مشروع تخرج طلاب السنة الرابعة-قسم تمثيل-والذي يُعتبر مشروع تخرج الفصل الثاني، ولكن نظرا لانقطاع الطلاب عن الدراسة لمدة شهرين بسبب وباء الكورونا، تأجل أيضا الاشتغال عليه، بالتالي فإن الزمن أو الوقت الذي يتم الاشتغال فيه عادة على مشاريع التخرج، صار أقل، فحتى يحين موعد عرض المشروع، نكون أمضينا قرابة الشهر وبضعة أيام على التدريبات”، يقول مخرج “مدينة في ثلاثة فصول” ويتابع: “قمنا بإجراء ورشة عمل مع الطلاب على نص “المهاجر بريسبان” لمؤلفه جورج شحادة، العرض سيحمل اسم “المهاجر”، وحاليا نبذل والطلاب جهودا مكثفة، وذلك لتقديم عرض مسرحي يليق بهم وبالأكاديمية التي درسوا فيها، ويقدمهم أيضا للوسط الفني “سوق العمل” بالشكل الذي يُظهر قدراتهم التمثيلية العالية، تلك التي دأبوا على تحصيلها لأربعة أعوام”.
وفي الحديث عن سبب اختياره نص “المهاجر بريسبيان” دون غيره من النصوص، قال مخرج “المرود والمكحلة”: بسبب الظروف غير الطبيعية التي حلت بنا، صار الوقت عبئا علينا، وبالتالي حددنا البحث عن نص يمكن الاشتغال عليه وتحقيقه خلال فترة زمنية قصيرة جدا، كما أنه يناسب عدد طلاب الدفعة “ست طالبات وثمانية طلاب”، الذين سيقدمون العرض بطريقة الـ”دبل كاست”، عدا عن كونه أيضا يراعي أن العرض في طبيعته هو مشروع تخرج، وفيه يتم الاختبار الفعلي لقدراتهم التمثيلية المختلفة، كالتنويع في مستويات الصوت، الليونة، الحركة، التعبير، وغيرها من التفاصيل التي تؤخذ في الحسبان في مشاريع التخرج”.
الظرف العالمي الطارئ، تسبب أيضا بتغيير واحدة من الأساسيات التي درجت عليها مشاريع تخرج طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية، عنها يقول مخرج “عن الحب وأشياء أخرى”: “جرت العادة أن تتشارك الأقسام الأخرى في الأكاديمية السورية للفنون، في صنع مشاريع التخرج، كقسم السينوغرافيا والتقنيات وغيرها، لإنجاز رؤية كاملة يتصدى لها طلاب المعهد بمختلف أقسامه، إلا أن طبيعة الظرف الاستثنائي الذي نمرّ به والوقت الضيق المتاح حال دون ذلك، فالطلاب في بقية الأقسام ملتزمون بامتحاناتهم ومضغوطين أيضا، بعد العطلة الطويلة التي قضوها بسبب الوباء، لذا فنحن مضطرون للتعاون مع اختصاصيين من خارج المعهد هذه المرة”
مشاريع تخرج طلاب قسم التمثيل، كانت ولا تزال من العروض المسرحية التي ينتظرها الجمهور المسرحي، نظرا لكونها مشغولة بحرفية عالية وعلى مختلف المستويات، الحكاية، الأداء، السينوغرافيا، وغيرها من مفردات العمل المسرحي، وهذا ما دفعنا للسؤال إن كان العرض سيكون متاحا لجمهور المسرح؟ وعن هذا قال مخرج “مرآة”: “العرض سيُقدم على خشبة الصالة متعددة الاستعمالات في دار الأوبرا، مبدئيا العرض سيكون في الـ 19 من الشهر الجاري، وقلت مبدئيا لأن تاريخ العرض قد يتغير، و”المهاجر” سيكون متاحا للجمهور بنسبة 30% وفق الإجراءات الاحترازية المتخذة في هذا الشأن”.
اشتغال الفنان والمخرج عروة العربي، على عدة مشاريع تخرج مع طلاب كان في يوم من الأيام يقف حيث يقفون اليوم، وانشغاله الفني المسرحي الحقيقي الذي تدل عليه أعماله المسرحية، سواء تلك التي أخرجها أو شارك فيها بكل ود ورغبة بمد اليد للفن الأسمى عنده، خصوصا بالوقت العصيب الذي يعاني فيه أبو الفنون اليوم ما يعانيه، نابع من إدراكه اليقيني لحجم المسؤولية الكبيرة التي يحملها باعتباره فنان أكاديمي، سواء تجاه هذا الفن وتجاه المعهد العالي للفنون المسرحية، “النواة” -كما وصفها- التي تمد الدراما المحلية، بالطاقة التي تجعلها قادرة على الاستمرار رغم كل الظروف الصعبة التي تقاسيها، المسؤولية التي قرر أن لا يدير لها ظهره كما فعل كثر، وعن هذا يقول:” شعوري بالمسؤولية والالتزام بالعمل في المعهد العالي للفنون المسرحية، له عدة أسباب، فهو المكان الرسمي الوحيد المعني بتدريس فن التمثيل في البلاد، ومن قاعاته ومن على مقاعده، يتم رفد الدراما المحلية بالطاقات الشابة، والمأمول منها الكثير على الصعيد العملي في هذا المجال، وهذا يلزمني ويدفعني أن أقدم وأن أطلب تقديم كل الدعم الممكن لهم وللمعهد الذي يعمل على إعدادهم ليكونوا الاستمرارية الفعلية للدراما المحلية سواء السينمائية أو المسرحية أو التلفزيونية، على المستوى شخصي، شعوري بالمسؤولية تجاه الفن الذي أحب والمكان الذي تعلمت فيه ما أحب، بدأ وتنامى منذ أكثر من 15 عاما، بعد تخرجي مباشرة عملت في المعهد “قضيت عمري فيه” كما يقال، وكنت أتمنى لو أنني لقيت الاهتمام ذاته الذي يلقاه الطلاب اليوم، لأقدم أفضل ما لدي لهذا الفن، أتمنى كل التوفيق للطلاب الذين يبذلون جهدا مضاعفا بسبب ضيق الوقت المُتاح لهم في الاشتغال على مشروع تخرجهم، بوابة عبورهم إلى الحياة الحقيقية”.
حوار: تمّام علي بركات