رازبا ناناس: الأكاديمية التي لا تهتم بالفولكلور والتراث قاصرة!
في طفولته البسيطة والغنية جداً، تعرَّف على دفوف الدارويش المتصوفين الجوالة، وعلى سحر الغجر بموسيقاهم ورقصاتهم في مواسم الزيتون في ساحة القرية والبيادر وكرنفالات الشركاء في الغابات من كل الكائنات، متذوقاً تحت القمر كل أغانيهم، فسحرته الموسيقا بشكل فطري، وشكَّله الوجود بلا مدرسة لتكون محطته الثانية – عام 1985 – بحلب حين انضم لفرقة كورال بقيادة المايسترو انترانيك كبروكسيانب كمغنّ والتي شاركتْ مع صباح فخري وميادة الحناوي كأول من غنى على مسرح قلعة حلب بمناسبة تدشين المسرح، فكان هذا أول تكريم له في طفولته، أما المحطة الثانية له فكانت مع الآلات الموسيقية وهو الذي كان وما زال مولعاً بموسيقا الغجر حتى لُقّب بالغجري المجنون “رازبا”، وقد أنجز تجارب مهمة مع شريكه أحمد جب الموسيقي البارع المقيم في الدانمارك ولديه اليوم عائلة مؤلفة من ٦ آلات موسيقية من عائلة البزق والطنبور، ولكل آلة أسلوبها وصوتها وهي (بيناف، جارتار، بزق، ديوان ساز،طمبورك، هارموبزق) مشيراً في حوارنا معه إلى أن لديه براءة اختراع مع وقف التنفيذ لأنه لا يستطيع إنتاج جيل من نسخته ولكنها مسجلة بالأرشيف التابع للتلفزيون، موضحاً أنه عرض اختراعه على لجنة خاصة من قبل جمعية المخترعين السوريين منذ سنوات طويلة في حلب وقد نالت الإعجاب وطُلب منه إكمال الأوراق الرسمية والمتابعة، ولكنه توقف بسبب تكاليف الطوابع في وزارة الاقتصاد وطلب اللجنة إنشاء معمل لإنتاج هذا الجيل، وهذا كان غير ممكن بالنسبة له.
رد اعتبار
يؤكد رزابا على أهمية مهرجان البزق ورسالة السلام والمحبة والموسيقا التي يرسلها، وهو رد اعتبار ليس للآلة فقط وإنما للحياة الفنية في سورية وضرورة تخلّقنا بقيم الجمال، مبيناً أن أقدم المهرجانات لعازفي هذه العائلة من الوتريات كانت في معابد الإزداهين واليارسانين بين أسلاف الأكراد، ولم تهمل هذه العائلة من الآلات يوماً في محيطنا، فيكفي أن ننظر لحضارة اليونان لنرى كيف بنيت بهذه العائلة وكذلك في بلاد القوقاز والهند وفي إيران والمغرب وحتى إسبانيا، ويتساءل: من منا لا يعرف مقطوعة نينوي الشهيرة التي ألّفها أحد عباقرة الموسيقا في إيران ، ورقصة زوربا التي ألفها قدامى عازفي البزق في اليونان ، والرحابنة الذين بنيت إمبراطورياتهم على البزق وأصابع عاصي الرحباني، في حين أُهمِلت في سورية لسنوات رغم أننا بلد أمير البزق الأسطورة محمد عبد الكريم والأمير سعيد يوسف والعملاق أديك.
روح الشرق العظيم
ليست المرة الأولى التي يشارك فيها في المهرجان، فقد كان له شرف افتتاح الدورة الخامسة وتكريمه من إدارة المهرجان في الدورة الماضية على خشبة دار الأوبرا.. ولمحبي هذه الموسيقا ومحبي هذه الآلات بالتحديد يقول: “هذه الآلة تحتوي روح الشرق العظيم في روحها وأوتارها، وحذف هذه الآلة يعني حذف حضارة الشرق وقسم كبير من الغرب، والأكاديمية التي لا تنحت في روح الفولكلور والأولين تقدم مجرد آلات ناسخة، والأكاديميات ظهرت بعد المبدعين وليس قبلهم، مع حرصه الشديد على تطويرها.. وللموسيقي الأكاديمي يقول: “انظر كيف تتفاعل كل الشعوب مع الجمال، فلا تستثني وتحذف حضارات لرغبة ما في عقلك” مؤكداً أن الأكاديمية التي لا تهتم بالفولكلور والتراث وروح الذاكرة الشعبية هي أكاديمية قاصرة، فالفنون مازالت تشرب حتى اليوم من عصر الأساطير وعصر الأمومة وتتفاعل مع المشاعر الأولى، مشيراً إلى أنه ليس هناك إبداع وجمال مستقل ينتقل من عصر إلى عصر إلا بفعل التراكمية، ويؤسفه وجود مدارس كثيرة ونظريات رفضت الماضي واعتبرت أن المعاصر هو كل شيء، ومنهم من غَرِق في الماضي ولم يخرج منه، ومنهم من تذوق من الماضي واطلع على المعاصر محاولاً أن يصيغه بروحه، وتبقى المشكلة عند المبدعين برأيه في صياغة هذا الجمال، وكل من لم ينجح في أسلوب اعتبره فناً غير جدير بالاهتمام، وهكذا بنت بعض الأكاديميات منهاجها طبقاً لذواتها الفكرية والفنية والعلمية، والمؤسف برأيه أن بعض هذه الأكاديميات مصابة بالأصولية الجمالية والفكرية، حالها حال التيارات الأصولية الفكرية، مع فارق بسيط أنها بزيّ وشكل معاصر: “ارفعوا أيديكم المستقيمة كمسطرة على جمال الحياة الموسيقية والتراث والفولكلور وعظمة تراكم أرواح الأولين” ، ويذكر أنه منذ فترة تعرف على مغنية عالمية هي هند الراوي وقد هزّت الجمهور الغربي، وهي مغنية شعبية من صعيد مصر، ورغم أنها درست في الأكاديمية إلا أنها بقيت تنحت في الموسيقا الشعبية لتغني موروثها بزيها الشعبي وهي اليوم متبناة من أكبر حركة فنية في العالم.
آلة الشعب
يؤكد ناناس أن آلة البزق هي من أقدم الآلات الوترية النقرية في تاريخ الموسيقا ومعظم الشعوب استخدمتها ، وهي التي لها أكثر من خمسين أسلوباً ونمطاً موسيقياً كونها كانت شائعة جدا ، وقد لقبت بآلة الشعب في قصر هارون الرشيد كما لقب المتصوفون في معابد اليارسنينوترها بأنه أرفع خيط يربط الأرض بالسماء، وعلى الرغم من أن ناناس اطلع علي معظم الأنماط إلا أنه يميل إلى التزاوج بين روح موسيقا المعابد بمعاصرةَ روحية وفنية وتقنية.
يُذكر أن رازبا ناناس شارك في مجموعة حفلات داخل وخارج سورية وفي العديد من المهرجانات، وحالياً يحضّر لعمل فني غنائي وموسيقي بلغات عديدة كلمات وألحان رازي مسعود.
أمينة عباس