شهادات عن “الأرملة السوداء”
إعداد: هيفاء علي
لفتت ظاهرة تجنيد النساء للانضمام إلى تنظيم “داعش” الإرهابي في أوروبا اهتمام الحكومات والباحثين، حيث لوحظ في الأعوام الأخيرة أنّ هناك تحولاً لدى التنظيم نحو استقطاب النساء وتجنيدهنّ في صفوفهم، كطريقة جديدة للتحايل على الأجهزة الأمنية من جهة، ومن جهة ثانية كوسيلة ناجعة لتسريع الاستقطاب في صفوف الذكور والإناث، نظراً إلى قابلية هؤلاء للإنصات أكثر إلى الخطاب الصادر عن المرأة.
المثير للاستغراب هو تهافت الأوروبيات على الانضمام إلى صفوف “داعش” بدوافع عديدة، حيث أظهرت العديد من الدراسات أن النساء اللواتي تم اعتقالهن في إسبانيا، على سبيل المثال، تتراوح أعمارهن بين 19 و25 عاماً، وهي المرحلة العمرية الأنسب للاستقطاب بنظر الجماعات الإرهابية، وغالبيتهن غير متزوجات وينتمين إلى الجيل الثالث من المهاجرين. كذلك للنساء المغربيات حضور لافت في تنظيم “داعش” ويشكلن 34% من نسبة النساء المنتميات إلى التنظيم.
من بين هؤلاء النسوة الداعشيات نجد المغربية فتحية مجاتي، المعروفة بلقب” أم آدم” والتي تعد أكثر النساء الداعشيات تطرفاً وإجراماً ورعباً، حيث وضعت ذكاءها في خدمة الشر. كانت مسؤولة عن عدة بيوت نسائية لـ “داعش” في مدينة الرقة. كذلك الداعشية “أم مريم” التي أتت من أوزبكستان وانضمت إلى “داعش” في صيف عام 2015.
تم ترقيم جميع بيوت نساء “داعش” في سورية بعدد محدد، هذا البيت الذي كانت “أم مريم” معتقلة فيه حمل الرقم 88 وتديره المغربية فتحية مجاتي منذ عام 2015 بقبضة حديدية. في غرف هذا المنزل كانت هناك نساء مكتظات من جميع أنحاء العالم، كلهن عازبات، مطلقات أو أرامل. الفرنسية، التركية، الروسية، الألمانية أو حتى التونسية، المغربية، الجزائرية… جميعهن مستعدات للزواج.
ولتشجيعهن على قبول رجل لا يعرفونه، يُمنع النساء من الخروج ويعانون من سوء التغذية. تقدم لهن فتحية مجاتي الزواج باعتباره الحل الوحيد الممكن لخروجهن من المعتقل.
كانت فتحية واحدة من القلائل الذين حصلوا على لقب “أميرة”، النسخة النسائية من أمير “داعش”، كانت حرة في التحرك، وكانت تحب السلطة ولا تستسلم.
تمكنت هذه الداعشية المغربية البالغة من العمر 59 عاماً من الفرار من مخيم الهول في شمال شرق سورية، على الأرجح بدعم من الخارج. ومنذ ذلك الحين، لم تعد هناك آثار لأم آدم، فقد انضمت إلى القائمة الطويلة لنساء “داعش” الذين تمكنوا من الاختفاء بعد فرارهم من الهول.
شارلوت، فتاة بلجيكية هي الأخرى إحدى النساء اللاوتي خضعن لسلطة “أم آدم” عام 2015 لم تنس أي شيء عن قسوتها وجبروتها، فليس لديها مفهوم الحق أو الخطأ، هذه المرأة تحب السلطة. بقيت هذه الفتاة بضعة أشهر في الرقة قبل الفرار من “داعش”.
امرأة فرنسية أخرى عائدة من سورية تحدثت عن الرعب الذي كانت تشكله “أم آدم”: “لقد وضعت ذكاءها في خدمة الشر، والآن بعد أن هربت، ستسعى هذه المرأة للانتقام، صدقوني”.
الأرملة السوداء
مع مرور الوقت، جعلتها قصتها “بطلة” في المجال “الجهادي”. كان زوجها، عبد الكريم مجاتي، أحد مؤسسي الجماعة الإسلامية المقاتلة المغربية التابعة لتنظيم القاعدة في المغرب العربي وأوروبا. عاش الزوجان في أفغانستان مع ولدهما الوحيد قبل هجمات أيلول 2001 في الولايات المتحدة. وتفيد أجهزة المخابرات في العديد من البلدان أن عبد الكريم مجاتي – قتل في عام 2005 مع ابنه- كان العقل المدبر لهجوم الدار البيضاء في أيار 2003، ولهجمات مدريد عام 2004.
بعد وفاته، لم ترغب فتحية مجاتي في الزواج مرة أخرى، وكانت منذ ذلك الوقت تُلقب بـ “الأرملة السوداء”. وُضعت تحت السيطرة القضائية في المغرب، وعاشت لعدة سنوات في الدار البيضاء دون إخفاء كرهها للغرب. في عام 2007، أجريت معها عدة مقابلات مع وسائل الإعلام الفرنسية، وأعلنت لصحيفة “لو باريزيان” أن فرنسا ستعاقب على ولائها لأمريكا.
بعد ست سنوات، في صيف 2014، سافرت إلى الرقة وانضمت إلى “داعش”، وتزايدت أهميتها بسرعة حتى باتت واحدة من النساء الوحيدات اللواتي لديهن الحق في قيادة السيارة .
امرأة في خدمة الرعب
لا تزال “جوليا”، عضواً سابقاً في “داعش” تجد صعوبة في التحدث عن حياتها المرعبة في أسوأ بيت نسائي تملكه أم آدم، تم سجن المرأة الفرنسية هناك لمدة ثلاثة أشهر في عام 2015 لمحاولتها الفرار من “داعش”. وعندما وصلت إلى هناك، تعرضت للضرب المبرح من قبل أتباع أم آدم، تمت محاكمة هذه الشابة في فرنسا بعد عودتها من سورية بتهمة الارتباط الإجرامي فيما يتعلق بمشروع إرهابي. وأوضحت أن كل من كان يريد التراجع والانسحاب من صفوف “داعش” كان مصيره الإعدام بعد اتهامه بالتجسس. وبحسب المعلومات، فقد تم اعتقال مئات من النساء الأجنبيات في هذا المبنى مع أطفالهن أحياناً، لتتم “إعادة تربيتهن” على يد أم آدم.
لمراقبة النساء القادمات من الخارج للانضمام إلى “داعش”، أقامت المرأة المغربية أيضاً خدمة تجسس أنثوية بالكامل في قلب الرقة، حيث جندت الأكثر تطرفاً بينهن، كانت مهمتهن المراقبة والاستجواب وجمع المعلومات لتعقب أولئك الذين أرادوا العودة إلى بلادهم الأصلية، أو الذين تجرؤوا على انتقاد “داعش”.
تتذكر العديد من النساء اللواتي مررن بهذه المنازل صبياً أيزيدياً تعرض للتعذيب والرعب من قبل أم آدم. وها هي “أنيسة” بدورها تتحدث عن حياتها مع “داعش” بعد عودتها إلى فرنسا بعد إقامتها في الرقة، لن تنسى إطلالتها إطلاقاً عندما التقت بها في أوائل عام 2015 : “كنت أجلس مع صديقتي عندما وصلت أم آدم برفقة هذا الطفل الصغير الخائف الذي لم يجرؤ على التحرك. كنت أرغب في إعطائه كعكة، لكنه تراجع ووضع يده أمام وجهه. عندما غادرت أم آدم الغرفة، أمسكت يده لأخبره ألا يخاف مني، كانت عيناه مليئتين بالدموع، بعد ذلك لم أره مرة أخرى، ولم أعلم ما مصيره”.