خبراء واقتصاديون أجابوا عن سؤال “البعث”: ما سبب/ أسباب غلاء المعيشة؟! أعطِ نسبة مئوية!!
دمشق – أحمد العمار
ثمّة صفة مشتركة لا يستهان بها بين شاعر العربية الكبير، المتنبي، وموجة غلاء الأسعار التي تجتاح أسواقنا على نحو غير مسبوق.. كلاهما “مالئ الدنيا وشاغل الناس”، فلا حديث يعلو فوق حديث الغلاء.. في الشارع، في السوق، في المكاتب، في وسائل النقل، تقحم الناس بعضها بعضاً في أحاديث وحكايا، وتزجّ بكل ما لديها من إمكانات التنبؤ والتحليل تلمساً ووصولاً إلى بعض من إجابات: لماذا كل هذا الغلاء؟ كيف لبقية من دخلٍ أن تتصدّى لسيل عرمرم من الاحتياجات؟ أما آن لتقاذف كرة المسؤولية أن يستقر في مرمى بعينه؟ وإذا كان الغلاء مقبولاً لسلع تأتينا من وراء البحار، فماذا عن تلك التي أنتجتها أرضنا وخطوط إنتاجنا؟ ثم كيف، ومتى، وأين..؟! وتحتفظ أداة الاستفهام “بكم؟!” بأهمية خاصة!!.
“البعث” طلبت من شريحة متنوعة من الناس، اقتصاديين وغير اقتصاديين، جواباً عن السؤال التالي: ما هي النسبة التي تعطيها لأيّ من الأسباب التالية، والتي تقف وراء غلاء السلع: التصدير، الاحتكار ولعبة السوق، ضعف الإنتاج، زيادة الطلب، قلّة الاستيراد، تذبذب أسعار الصرف، العقوبات والحصار الاقتصادي، وأسباب أخرى (مع مراعاة أن مجموع النسب يجب أن يشكل 100%).
بين يدي الإجابات..
-إن مساهمة هذه العوامل كدافع لارتفاع أسعار السلع تختلف من سلعة لأخرى بالضرورة، وتتعلق بمرونة سعر السلعة، ومدى قدرتها على قبول التبدّل خلال المدى المتوسط، إذ أن هناك سلعاً تتحمّل التبدل السريع في أسعارها، نظراً لحجم الطلب المرتفع عليها، بينما تفتقر أخرى إلى هذه الميزة؛ وفي ظل الظروف الراهنة، سأركز على السلع الغذائية والزراعية، ليكون ترتيب تأثير هذه العوامل كالآتي: العقوبات الاقتصادية 10%، تذبذب أسعار الصرف 40%، ضعف الإنتاج 30%، قلّة الاستيراد 5%، الاحتكار ولعبة السوق 10%، التصدير 3%، زيادة الطلب 2%.
خبير في اقتصاديات الإنتاج الزراعي
-ضعف الإنتاج وأسباب أخرى، مثل ضعف موارد الدولة من النفط والمحاصيل الزراعية والكوادر البشرية التي غادرت إلى الخارج.
أكاديمي وخبير تخطيط
-الترتيب كالآتي: ضعف الإنتاج 40%، الاحتكار ولعبة السوق 20%، تذبذب أسعار الصرف 20%، العقوبات الاقتصادية 10%، التصدير 10%، قلة الاستيراد 5%، زيادة الطلب 5%.
إعلامي ومحلل
-الترتيب: تذبذب سعر الصرف 30%، الاحتكار ولعبة السوق 30%، العقوبات الاقتصادية 20%، ضعف الإنتاج 10%، قلة الاستيراد 10%.
إعلامي مهتم بقطاع الأعمال
– لا بد من تثبيت سعر الصرف عند أدنى حدّ ممكن..
رجل أعمال
-الاحتكار ولعبة السوق مسؤولان بنسبة 70%، والعقوبات الاقتصادية 20%، والتصدير أو قل التهريب 10%.
كاتب وأديب
-الترتيب حسب تسلسل الأسباب: 25%، 10%، 10%، 5%، 5%، 20%، 15%، 10%.
إعلامي
-المشكلة الرئيسية تكمن في تذبذب أسعار الصرف.
رئيس غرفة تجارة وصناعة
-تتوزع المسؤولية وفق الآتي: سعر الصرف 50%، التهريب 15%، الفساد 15%، العقوبات 20%. بعض هذه الأسباب وهميّ، ولا يؤثر على السوق، وبعضها الآخر يؤثر بنسب ضعيفة جداً. أما ضعف الإنتاج، فهو العامل الوحيد المؤثر فعلياً، وأحمّله أكثر من ٩٥٪ من ارتفاع الأسعار، ويعدّ التصدير أهم عامل لدعم الاقتصاد والقطع الأجنبي، ولكن عندما ننصح بعدم تصدير أية مادة، فإن السبب يعود لضعف إنتاجها، وانخفاض نسبة المعروض منها في الأسواق، ما يساهم في ارتفاع أسعارها.
الاحتكار يؤثر بشكل سلبي على الأسعار، وذلك بسبب ضعف الإنتاج الذي يحدّ من المنافسة والعرض في السوق، علماً بأنه لا توجد زيادة طلب، وذلك بسبب انخفاض القوة الشرائية، وارتفاع نسبتي البطالة والتضخم، كما لا يوجد ضعف استيراد، وكلّ ما خُفض من مستوردات يعوّض بالتهريب، فالأسواق لم تنقطع من المواد الأولية والغذائية والكمالية وغيرها.
ولن يكون تذبذب سعر الصرف سبباً في ارتفاع الأسعار، بناء على معادلة حساب التكاليف ونسبة المادة الأولية من تكلفة المنتج، ولاسيما أن ٨٣٪ من المواد الصناعية والزراعية هي محلية، ولا علاقة لها بسعر الصرف، فيما ترفع العقوبات الاقتصادية تكاليف الشحن للمستوردات، بسبب الالتفاف عبر دول وسيطة، ولكن سعر هذه المواد لم ولن يرتفع، بل على العكس تماماً، انخفض عالمياً بسبب الكساد الاقتصادي العالمي.
السبب الرئيسي، بعد انخفاض الإنتاج، هو الرقابة.. ثم الرقابة!! ونجاحها لا يكمن في عمل المفتش والمراقب والمخالفة والإغلاق وتحرير الضبوط المختلفة، بل في الأتمتة التي هي الحلّ الوحيد للرقابة، ومن دونها سيكون أي إجراء فاشلاً.. عموماً فإن نسبة ٩٥٪ مسؤول عنها انخفاض الإنتاج، فيما العوامل الأخرى لا تشكّل أكثر من خمسة بالمئة؛ كما أن الرقابة يحب أن تكون آخر الحلول، لأنها ليست الأساس، بل العرض والطلب هما أساس معادلة وعمل الأسواق.
صناعي
-لن يخفض غلاء السلع، خاصة الغذائية منها، سوى الإنتاج الزراعي (النباتي والحيواني)، لذا ادعموا الزراعة بمستلزمات الإنتاج، وساعدوها على إيجاد قنوات تصريف محلية وخارجية مناسبة، وهي كفيلة بحلّ الجزء الأكبر من المشكلة.
مزارع
-ضعف الإنتاج سبب رئيسي في المشكلة، ولا يقلّ تأثيره عن 50%، دون إغفال الأسباب الأخرى جميعاً، وإن بنسب متفاوتة.. مطلوب دعم وتمكين المرأة الريفية من خلال توفير دراسات الجدوى للمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، ومساعدتها على تصريف منتجاتها.
سيدة أعمال
-وفرت موجة الغلاء الجارية، بالرغم من شدة تيارها الصاعق، دروساً مستفادة للجميع: للمنتجين، والمستهلكين، والمستوردين، والمصدّرين، والحكومة، وصنّاع القرار الاقتصادي في القطاعين العام والخاص. ومن هذه الدروس مثلاً التفكير بسلاسل الإنتاج لا بسلعة بعينها، والتفكير بالانعكاسات الحادة أو الناعمة التي قد تنجم عن تصدير سلعة أو استيراد أخرى.. مثلاً علاقة ارتفاع أسعار الحليب السائل (الطبيعي) بارتفاع أسعار نظيره البودرة المستورد، والذي كان يخفّف الطلب المحلي بنسبة لا تقلّ عن 30%، وأيضاً تأثير قلة ومحدودية قطيع الأبقار على المعروض من الألبان والأجبان ومشتقاتها، وما يترتب على ذلك من ضرورة دعم الإنتاج الحيواني بقروض ميسرة تساهم في رفع إنتاجية وتنافسية هذا القطاع المهم.
أيضاً، ارتفاع أسعار بعض السلع بالرغم من أنها منتجة محلياً، وبكميات وتنوع معقول. خذ مثلاً الحمضيات والتفاح واللوزيات والثوم وغيرها، وهنا لا بد وأن نتقن جيداً توقيت وتزامن فتح صنبور التصدير وإغلاقه، إذ، وبالرغم من أهمية التصدير للاقتصاد الوطني، إلا أنه يجب ألا يتمّ على حساب حرمان الأسواق المحلية من المنتجات المصدّرة.. كذلك علاقة المعروض من اللحوم الحمراء والبيضاء بحجم وفاعلية الثروة الحيوانية وكفاءة وجدوى المداجن، وهكذا دواليك.
قول على قول..
برأينا، مهما يكن من أمر العقوبات الاقتصادية الظالمة من “قيصر” وأشباهه، والتذبذب الحاد وغير المنطقي في أسعار الصرف، فإن زيادة الإنتاج كماً ونوعاً تبقى بيضة الميزان، وهي المعادل الحقيقي لغلاء الأسعار، فالإنتاج يؤثر في المتغيرات والمؤشرات كلها: استقرار الأسواق، ضبط الاستهلاك، توازن العرض والطلب، زيادة القوة الشرائية، وفرة القطع الأجنبي، لجم فاتورة المستوردات، وغير ذلك الكثير.