الأولوية للاستيراد
تبنّت الحكومة سياسة تصنيع بدائل المستوردات كردّ على العقوبات الاقتصادية من جهة ولتقليص نزيف القطع الأجنبي من جهة أخرى. ومع أن الكلّ متفق على أن التصنيع وخفض الاستيراد وزيادة الصادرات من أهم الإجراءات لتحسين سعر صرف الليرة، فإن ما يحدث العكس تماماً.. فلماذا؟!
ما يصدر عن عدة جهات حكومية يؤكد أنها لا تزال تُفضّل الحلول السهلة، أي الاستيراد أولاً.. لا التصنيع المحلي ولا تحفيز التصدير! ولن نجد تفسيراً لما يصدر من قرارات تخالف سياسة تصنيع بدائل المستوردات سوى “نفوذ” كبار المستوردين لدى الجهات المسؤولة التي يُفترض أن يكون شغلها الشاغل إصدار قرارات لمصلحة الاقتصاد الوطني فقط.
نعم.. أبرز الجهات المعنية بتنفيذ سياسة التصنيع المحلي لبدائل المستوردات، وهي وزارات الاقتصاد والصناعة والتجارة الداخلية والزراعة، مشغولة باسترضاء قلّة من المستوردين المحتكرين وإلحاق الخسائر بالصناعيين، فلماذا؟
إذا أخذنا صناعة النسيج كمثال، فإننا نشاهد “غرائب” لا تخطر على بال من خلال إصدار قرارات تنسف سياسة تصنيع بدائل المستوردات!.
منذ عامين تبنّت الحكومة نهجاً واضحاً تضمّن الكثير من الوعود لدعم عودة الصناعات النسيجية المتوقفة ولإعادة ترميم المدمّر منها جزئياً أو كلياً، فماذا كانت النتيجة؟. الوعود بقيت وعوداً ولم يحصد الصناعيون سوى الإحباط تلو الإحباط، تلاه كمٌّ هائل من خيبات الأمل!!.
ومع أن وزارة الاقتصاد تُتحفنا بين شهر وآخر بقوائم تتضمن الصناعات المطلوب دعمها دون أي ترجمة فعلية لها ولو بسرعة السلحفاة، نجدها تنفّذ طلبات المستوردين وتحولها إلى قرارات بسرعة الصاروخ.
توقع الصناعيون مثلاً بعد تحرير حلب أن تُسرع الحكومة بدعم الصناعة النسيجية العريقة التي تُشكّل أكثر من نصف الصناعة السورية، لكن ما حصل العكس: صدر قرار باعتبار الأقمشة والغزول مواد أولية!!
ماذا يعني هذا القرار الذي وصفه اتحاد غرف الصناعة السورية بـ “الكارثي”؟.. يعني: انحياز تام للمستوردين، وتجاهل لما ستتعرض له صناعة النسيج السورية من خسائر جسيمة، واستنزاف يومي للقطع الأجنبي! أي بدلاً من أن تركز الحكومة على توفير الحماية الكاملة لصناعة النسيج السورية التي تعرّضت للنهب والدمار.. فإنها انحازت لقلّة من المستوردين المتنفذين!!
ترى.. ألم يخطر في بال من أصدر قراراً بتخفيض الرسوم الجمركية على المستوردات النسيجية أنه سيساهم بتوقف عشرات المعامل عن الإنتاج وتعرّض عشرات الآلاف من العمال للتسريح؟ والسؤال الأهم: ألا يساهم فتح الباب مشرعاً لاستيراد سلع تنتجها مصانع سورية بخفض مستمر لسعر صرف الليرة؟
نعم.. لقد توقع صُنّاع النسيج السوري الدعم والحماية واجتثاث تهريب الخيوط النسيجية، وخاصة من تركيا، لكنهم فوجئوا بقرارات كأنّ هدفها تخريب صناعة النسيج السورية بالضربة القاضية!. وما يجري في صناعة النسيج يتكرّر في صناعات أخرى كالدواجن التي أسفرت أزمتها مؤخراً عن إغلاق آلاف المداجن، لأن وزارة الزراعة لم تكترث لتوفير الأعلاف وغيرها من مستلزمات الإنتاج للمربين بأسعار مدعومة، وكأنّها تشجّع المهربين أو تُمهّد لصدور قرار يسمح باستيراد الفروج المجمّد، كما حصل ذلك في سنوات سابقة!!.
بالمختصر المفيد: ننتظر تدخلاً سريعاً من الحكومة يدعم الصناعيين لأنهم ذراعها الوطنية لتنفيذ سياسة إحلال بدائل المستوردات، وتحسين سعر صرف الليرة وزيادة قوتها الشرائية.. فهل تفعلها أم تترك قلّة من المستوردين المحتكرين يلحقون الضرر بالاقتصاد والعباد؟.
علي عبود