“المونة” تغيب تحت ضغط ارتفاع الأسعار.. وضيق الحال يهدّد التنوع الغذائي!
بعد أن كان المكدوس ملك مائدة الأسر، ولاسيما الفقيرة منها وسنداً وعوناً لعائلات كبيرة كثيرة، فهو أساس وجبة الفطور والعشاء، وحتى الغداء للبعض في أوقات الشدّة والحاجة، تحوّل اليوم إلى عبء مادي للكثيرين نتيجة الضغوط المادية الكبيرة، فبالكاد تستطيع هذه الأسر تأمين لقمة عيشها أمام تقلّص خياراتها بتحديد طريقة ومستوى حياتها المعيشية، فالحليب بمشتقاته أسعاره نارية، وكذلك حال الزيتون، وكل المواد والسلع التي تتوافر في الأسواق إلا أن ثمنها لا يتوفر في جيب المواطن الذي لم تعد الحسابات تجدي نفعاً في إيجاد طريقة لإكمال الشهر بعد اليوم العاشر منه.
التقنين بالكمية
لسان حال أغلب الشرائح يقول: لم نحرم عائلتنا من هذا الطبق المهم “المكدوس”؟، لكن بالمقابل لن تكون بالكميات التي كنّا نواظب على تجهيزها من قبل، إذ لا يمكن الاستغناء عن مونة المكدوس، فهو صنف أساسي على مائدة الإفطار، ولاسيما في الشتاء على الرغم من الارتفاع الشديد بأسعار المواد الأساسية التي تدخل في تحضيره خاصة الجوز والزيت.. إلخ.
لقد أضحت الحياة المعيشية صعبة جداً، وتتطلّب أحياناً كثيرة الترشيد باستهلاك بعض الأصناف والمواد تمشياً مع الواقع الاقتصادي الحالي، فكل حركة اليوم تحتاج لدراسة متأنية وحسابات كبيرة، خاصة وأن الدخل الشهري بالكاد يكفي لتأمين لقمة القوت اليومي بعيداً عن الأشياء التي باتت اليوم تعدّ كمالية والتي تتطلبها أية أسرة، هذا ولم نتحدث عن تكاليف العلاج في حال المرض، ما دفع العديد من الأسر إلى التخلي عن المونة في ظل هذه الأعباء!!
تكلفة بالحساب
بالحساب، نجد أن الكثيرين لم يستطيعوا تأمين مونتهم من المكدوس هذا العام بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار، فمثلاً سعر كيلو الباذنجان 250 ل. س، وكل كيلو يحتوي نحو 18 حبة، وهذا يعني أن سعر الواحدة 15 ليرة، إضافة إلى أن سعر كيلو الجوز 12000 ليرة، وكل كغ من الباذنجان يحتاج إلى أوقية جوز، وتكلفتها 1900 ليرة لتصبح تكلفة الباذنجانة الواحدة 130 ليرة من الجوز، كذلك فإن سعر الكيلو الواحد من الثوم 4400 ليرة، وسعر كيلو دبس الفليفلة يقارب الـ 1300 ليرة، فضلاً عن أن سعر الليتر الواحد من زيت القلي اليوم 3350 ل.س، وهو مرجح للارتفاع، والبلدي 6600 ل. س!!
غلاء واستغلال
إن ارتفاع أسعار المواد التي تمون مثل: المكدوس- اللبنة- الأجبان- والزيتون، والتي كانت تخزن لموسم الشتاء من أجل التوفير، أصبحت الآن مشكلة حقيقية، لأنه لم تعد للمونة جدوى للتوفير، فالأساس في وجودها هو الضائقة الاقتصادية، حتى المخللات التي كان يُستعاض عنها بالشتاء أصبحت مرتفعة السعر، وقد أثر ارتفاع الأسعار على الانخفاض الشديد في صنع المونة، لذلك قد لا نجد من يمون في ظل الغلاء الكبير.
سلوك اقتصادي.. ولكن؟
يؤكد الدكتور علي كنعان أن الإنسان – بحسب علم الاقتصاد – عُرف بحسّه الاقتصادي الطبيعي، ومنذ قديم الزمان، كيف يدخر من زمن الوفرة إلى زمن الندرة، سواء بالنسبة للمال، أو السلع، أو الطعام، وغيرها، حيث يمكن تصنيف عملية المونة بأنواعها المختلفة على أنها سلوك اقتصادي واعٍ تهدف من خلاله الأسرة إلى تأمين بعض حاجاتها الغذائية في الأوقات التي لا تكون فيه هذه المنتجات متوافرة، مشيراً إلى أهمية عملية الاحتفاظ بالمونة كونها تعد الأسرة ببعض الحاجات الضرورية، ومن جهة ثانية لها أهمية مادية تتمثّل بالتوفير المادي الذي تحقّقه الأسرة نتيجة قيامها بذلك، وعدم شراء تلك المونة من السوق، وتزداد هذه الأهمية بشكل واضح كلما ارتفعت أسعار الشراء من السوق، كما يحدث حالياً في السوق المحلية، إذ تزداد الأسعار بمعدلات جنونية، وفي العموم في فترات الأزمات يزداد العبء المادي تقريباً لكل الأنشطة، فلا يوجد حالياً أي شيء في السوق منخفض التكلفة، أو أية سلعة لم تتضاعف تكلفتها، لذلك يؤكد كنعان أن عملية “المونة” هي بالفعل عبء على الكثيرين، وكابوس للبعض، ولكن في الوقت نفسه البدائل الأخرى للمونة ارتفعت تكاليفها وبمعدلات أكبر، يعني بالمبلغ نفسه الذي تنفقه أسرة بالمتوسط لصنع 10 كغ من المكدوس بالكاد تشتري نصف هذه الكمية من السوق، وبالرغم من ارتفاع تكلفة المونة فإنها تبقى محقّقة التوفير مقارنة بأسعار الشراء من السوق.
عبد الرحمن جاويش