“أرواح عارية”.. ازدحام قصصي ناجح هذه المرة
لا يمكن للمشاهد أن يحدد ماهي القصة، أو أية قصة تلك التي يتابعها في مسلسل “أرواح عارية” (فادي قوشقجي، الليث حجو) من بين مجموع القصص المزدحمة في العمل.. هل يتابع قصة المرأة الخائنة الهاربة التي لاذت، بصدفة هوليودية، بالرجل الذي أنقذها وخبأها في بيته؟ وما جرى في هذه الحكاية التي تعتبر الحامل الأساسي للعمل من تطورات دراماتيكية يجري معظمها في بيت الرجل الشهم الذي ينظر لها بداية كغانية، ثم يصبحان حبيبين، ثم يفترقان، تكذب عليه وتتركه بلا سبب، ثم تعود بضغط الحب، تعود مرة أخرى لتخرج من حياته بغية التطهر من ذنوبها وتزيد معاناته، ثم تعود إليه برمزية غير حاسمة، وهكذا تنتصر المرأة المثقفة – الخائنة التي فعلت كل الموبقات بعد أن عرفت الحب الحقيقي في بيت صلاح، الشاب البسيط العادي، الحلاق صاحب الحياة الصاخبة والبسيطة بآن، لتسير الحكاية في سياقات درامية محكومة بالحبكات المتعددة التي تولد الأحداث الدرامية بناء على تداعيات القصة، تطورها، تطور الشخصيات، إضافة إلى شيء من الأجواء الرومانسية الحالمة التي يقضيها العاشقان العفيفان في البيت ذاته، أم يتابع حكاية الشاب العربي الذي يبحث عن أمه وأصله، في حبكة درامية منفصلة تماماً عن القصة الأولى؟ لعله يتابع قصة المرأة التي توفي ابنها ودخلت في حالة نفسية معقدة بعد أن تحولت حياتها الأسرية للدمار، إنها غير قادرة على التصديق، كما أنها غير قادرة على التعامل مع زوجها، دون أن نعرف طبيعة موقفها منه، فحسب ما أخبرته في نهاية حكايتها، الزوج يظهر خائناً أيضاً، وقد مات ابنه بعد أن تركه في عهدة إحداهن ريثما يقضي مشواره الغرامي، كما أخبرت الزوجة، فهل هي السبب لكونها علمت أنه ذاهب لمقابلة امرأة، فلم تجد من بين ألف سبب لمنعه إلا أن ترسل معه ابنهما، وهذا خيار غير مفهوم، لكننا نستطيع القول عندما يأتي القدر تغشى البصائر، أم لعله- أي المشاهد- يتابع حكاية الممثل النجم الذي لم تعد تأتيه أدوار مهمة في الدراما، ثم ومن خلال علاقة مع إحدى نساء الوسط يأمل بالعودة بعد أن ينسف علاقة حب بنت الجيران؟ لعلها قصة الفتاتين اللتين مات والدهما وهو يوصي الأم بالعناية بهما، وما يحدث مع كلتيهما، تلك في علاقتها مع رجل بلا نسب معروف، والمراهقة التي تتبادل المشاعر الحارّة على النت مع ابن الجيران؟ وربما تكون قصة الفتاة التي تريد الزواج للخلاص من زوجة الأب وأفعالها؟ ولعلها قصة الأم والأخوين، وما الذي سيفعلونه مع الابنة والأخت المتهمة بالخيانة الزوجية؟ قد تكون حكاية أخت الممثل التي وجدت أيضاً نفسها، في صدفة بوليودية، جارة لحبيبها السابق الذي هجرها دون سبب، وهي في حيرة من أمرها بشأن علاقة أخرى، لكنها متخوفة منها، خصوصاً أنها تشعر أن ما يقودها هو الرغبة البحتة وليس الحب المنشود؟.. يا له من ازدحام شديد للحكايات في مسلسل واحد.
أي قصة هي الأهم والأجدى بالمتابعة لو كانت في عمل منفصل لوحده، خصوصاً بوجود كل تلك الحبكات المتتالية والقصص المنفصلة عن بعضها، والسياقات الدرامية متعددة الأوجه والدلالات التي اشتغل الكاتب على تجميعها كبزل لا يكتمل ولا تتضح صورته النهائية حتى نهاية العمل، عدا عن كون كل حكاية تحمل ضمنياً صراعاً قيمياً وأخلاقياً وإنسانياً، وهي محكومة، أي كل قصة، بطريقة القص الأرسطي: بداية /ذروة/ نهاية/، وهذا ما جعل كل هذا الزحام القصصي محبوكاً بعناية كلاً على حدة، ومشغولاً على تحميله العديد من الأفكار والحالات الاجتماعية والإنسانية عموماً، منها ما هو تقليدي بطرحه وخواتمه، ومنها ماهو جريء وجديد وصادم؟.
تواجد كل تلك الحكايات معاً في مسلسل واحد عادة ما يجعل القصص مبتورة بنهايات شبه مفتوحة، وغير مستوفاة حقها في التصعيد الدرامي، وتبيان خطوطه الأهم والأعقد، كما أنه لا يقدمها بالحالة التي تجعل المشاهد يحيط بها من كل الأطراف، عدا عن كونه يسبب إرباكاً عند الجمهور الذي يتابع مجموعة قصص في عمل واحد، وما يجمع بينها هو المكان وعلائقه، فأغلب الشخصيات تقطن في بناء واحد، والحادثة الافتتاحية لهذا المهرجان القصصي ستبدأ باكتشاف إحدى الشخصيات أن زوجه تخونه، وسيسعى كل الوقت لمعرفة مع من ولماذا، إلا أن كاتباً بارعاً مثل “قوشقجي”، ومخرجاً ذكياً مثل “حجو” استطاعا أن ينهضا بمجموع تلك القصص وتقديمها بتصاعد درامي متتال يوصلها لمرحلة العقدة، قبل أن تبدأ مرحلة الحل والوصول لنهاية كل قصة على حدة.
نسيج شاق فعلاً قام الكاتب بنسجه ببراعة رغم المخاطر التي تمثّلت بكثرة القصص التي تصلح كل واحدة منها لتكون فكرة لعمل درامي، خصوصاً تلك التي تحمل إشكالاً، أو الخارجة عن المألوف، والتي تحتاج لفرد مساحة أكبر لأبعادها المختلفة.
ضم العمل العديد من أبرز الممثلين السوريين ومن مختلف الأجيال: نادين خوري، عبد المنعم عمايري، ديمة قندلفت، نادين تحسين بيك، جهاد سعد، لينا حوارنة، يامن الحجلي، عامر علي، دانا مارديني، وضاح حلوم، ميسون أبو أسعد، وغيرهم، أما الموسيقا التصويرية فحملت توقيع طاهر مامللي، وكان للفنان الراحل “نضال سيجري” أن شارك في العمل أيضاً، ولكن من خلف الكاميرا هذه المرة بصفة “مخرج فني”.
تمّام علي بركات