تحقيقات

الثقافة التربوية.. تمسك بمنظومة القيم والمفاهيم وعطاء متبادل بين المجتمع والتربية

كل مجتمع له ثقافته وصبغته الخاصة به، فهناك الثقافة الشرقية، وهناك الثقافة الغربية البراجماتية، ووظيفة التربية في أي مجتمع هي المحافظة على ثقافة المجتمع، ونقلها سليمة نقية من جيل إلى جيل، ووظيفة التربية كذلك تنمية الثقافة والإضافة إليها، كي تقف ضامرة في مواجهة الثقافات الأخرى، والثقافة بمعناها الواسع تشمل الدين والتاريخ واللغة، والآمال المشتركة، والأعداء يهتمون دائماً بتدمير ثقافتنا، لأن تدمير الثقافة يعني تدمير آليات التفكير السليم والقيم الثابتة، وهذا يعني تدمير المجتمع من القواعد، ونعود ثانية لوظيفة التربية والمربي، وظيفة التربية هنا أن تتمسك بأصالة الأمة وعاداتها، وتعلم الناس ألا يفتنوا بثقافة الغير، وأن يميزوا بين الأعداء والأصدقاء، فخلط تلك المفاهيم وتسمية ثقافتنا وعاداتنا بالرجعية مثلاً، نوع من الخيانة، فعندما نسقط الأصل الثقافي من التربية فلا جدوى منها ولا قيمة لها .
إن بين المجتمع الواعي والتربية عطاءً متبادلاً، ويظهر عطاء المجتمع للتربية من خلال عطاء المجتمع للتربية مادتها من التراث الثقافي المتراكم عبر الأجيال، أما دور التربية لتأسيس مجتمع ثقافي فيتحدد في نقل وتطوير ثقافة المجتمع، (الضبط الاجتماعي) بمعنى أن التربية وسيلة ضابطة تؤثر في سلوك الأفراد، فهي تغرس فيهم المبادىء العامة التي تحفظ مبادئهم وتضبط خطاهم، ودور المؤسسات التربوية هنا هو تشكيل الفرد ثقافياً واجتماعياً بما يناسب ثقافتنا وقيمنا.

قيمة العمل
وابن خلدون كواحد من المفكرين الرواد فهو أبو علوم الاجتماع كتب في مقدمته عن القيم والأهداف التي يجب أن يميز بها المجتمع ثقافة أبنائه فيقف طويلاً عند (قيمة العمل) الذي تؤكده الممارسة التربوية، ويراه ضرورة من ضرورات العمران، ويبلغ به الأمر القول :
إن قيمة الأشياء إنما تقاس بمقدار ما بذل فيها من عمل، أما بالنسبة للمسائل المباشرة الأكثر ارتباطاً بالعملية التربوية التعليمية، فنجد ابن خلدون يرى ضرورة وحتمية وجود المعلم كطرف أساسي في هذه العملية، سواء استهدفت تخريج العلماء أم الصناع، ليس المعلم فحسب ولكنه المعلم الجيد، ثم يركز المسألة بمبدأ واضح بسيط ولكنه ضروري، يقول (على قدر جودة ملكة المعلم يكون المتعلم)، وابن خلدون يعرف كيفية (الترابط بين مايبلغه مستوى التربية وبين البيئة الحضارية التي تنشط فيها) فالعلاقة بينهما طردية، وحيثما بلغت جماعة ما شأواً متقدماً في المضمار الحضاري حيثما تقدم معها فن التربية والتعليم ونشط سوقه، ووجد المعلم فرصته للحذق والاكتمال في البيئة المتحضرة بسبب ماتتيحه من مجالات أوسع للمناظرة والجدل والحوار في مناحي العلوم، وهنا يتألق المعلم ويجد طلبة العلم مبتغاهم فيمن يعرف كيف يوصل إليهم المعرفة التي يطلبونها، وأخيراً يجب أن نوقن أن الثقافة تعني الأفكار، فهي تعطي الإجابة الشافية على تساؤلات مهمة مثل: لماذا أربي أولادي؟ وكيف أربيهم؟ هل أعلم الولد كيف يعيش لحياة فانية فقط؟ هل يكون متعاوناً مع غيره؟.
كل تلك الدوافع التربوية، لابد أن يكون لها سند من الثقافة الواعية، أعني سنداً من التفكير الفلسفي الواضح للحياة والأحياء.

إبراهيم أحمد