نحو صناعة سياحية بامتياز.. مقترح لإنشاء شركات مشتركة تواكب روح العصر
لاشك أن السياحة، وبوصفها صناعة خدمات وتصدير، تُساهم في زيادة الدخل الوطني وتوفير فرص عمل ليس في مرحلة إنشاء المشروعات السياحية فحسب، وإنما بمرحلة التشغيل أيضاً، وتُعدّ من أهم بنود حركة التجارة العالمية، وتُحقّق إيرادات كبيرة من القطع الأجنبي يساهم بتخفيف العبء عن ميزان المدفوعات وتصحيح اختلاله، كما تُسرع الخطى في تفعيل مجالات التنمية كافة، ويُمكن القول: إن اتساع الرقعة السياحية وتكامل المقومات السياحية يلعبان دوراً كبيراً لجهة إرضاء رغبات السياح على اختلاف نوعياتهم من حيث طبيعة المعرفة والاستكشاف والاطلاع على المعالم الدينية والأثرية، إلى جانب سلسلة الحضارات القديمة والمنجزات الحديثة، وصولاً بعد كل ذلك إلى بناء صرح صناعة السياحة والنهوض به إلى المستوى الذي يمكن معه منافسة أوائل الدول السياحية في هذا الميدان، مع الأخذ بالحسبان بعض الاعتبارات المتمحورة حول تفاوت المكانة السياحية بشدة من حيث ثقلها على المستوى السياحي الدولي، ما يعكس بالنتيجة تفاوتاً بالتنشيط والتسويق وآفاق مسيرة التنمية، إضافة إلى العمل على اتباع منهج علمي يتناول بالتحليل ماهية المنطقة السياحية الناجحة ومدى انطباق ذلك على الواقع الموجود حالياً للخروج بأساليب تحقّق النجاح السياحي وتستقطب وتجذب السائح من كل الأصقاع إلى التراث الحضاري والثقافة الإنسانية من آثار ومتاحف، والمعالم الطبيعية من شواطئ وبحار وجبال وغابات، فضلاً عن العادات والتقاليد المميزة سواء في الزي أو أسلوب التعامل مع الناس وحتى في طريقة الاحتفالات ومراسم طقوس الأعراس، إلى جانب الإمكانات الترفيهية الضخمة والمميزة والمتمثلة بالفعاليات الفنية والعروض المسرحية ومهرجانات التسوق.
وفي هذا السياق لابد من التطرق إلى المشكلات الأساسية التي تُعيق نجاح عوامل الجذب السياحي، كالطاقة الإيوائية المتاحة التي لا تصل إلا إلى جزء بسيط مما هو متاح لأي دولة سياحية أخرى، وضآلة ومحدودية عدد شركات الطيران وشبكات الملاحة التي تربط البلد مع معظم الدول المختلفة في شتى القارات، وضعف الإمكانيات المتاحة، وكذلك نقص القدرات المالية، مما لا يدع مجالاً للتوسعات الكبيرة في مجال قطاع السياحة ومرافقها المختلفة.
إن مكانة بلدنا وتنوع إمكانياته السياحية في المصايف والمشات والجبال والبحر والبحيرات، والمعالم الأثرية والأوابد التاريخية والمواقع الدينية ومعالم النهضة الحديثة، بحاجة ماسة من وجهة النظر السياحية إلى كيان عملاق يتمثّل في إنشاء شركات مشتركة في مجال السياحة بشتى أشكالها تكون مسايرة لروح العصر، وتُحقّق التكامل بين الأنشطة ذات الطبيعة المترابطة، بحيث تكون المهام الرئيسية لهذه الشركات إقامة مشروعات ذات وظيفة إيوائية تتمثل في الفنادق ووسائل الإقامة التكميلية من قرى سياحية ومراكز علاجية وشقق مفروشة بالدرجة الأولى، إضافة إلى إنشاء وإدارة سلسلة من وكالات السفر ومكاتب السياحة في البلد وفتح فروع لها في أكبر عدد ممكن من الدول، وإنشاء وإدارة شبكة نقل بري وبحري وجوي لتأمين خدمات نقل ذات كفاءة عالية وخدمة مميزة وأسعار منافسة، وكذلك زيادة منافذ التوزيع والتسويق للبرامج السياحية من خلال إنشاء جهاز ترويج وتسويق ومبيعات يمتاز بالخبرة المهنية والبراعة التقنية، بالتوازي مع ضرورة ربط التخطيط بالتنفيذ من حيث ضمان العنصر البشري المدرب تدريباً كثيفاً في مختلف النشاطات السياحية والأساليب التسويقية، وبدء النشاط السياحي بالمشروعات التي سبق إعداد دراسات الجدوى لها وفقاً لمخططات التنمية السياحية، على أن تبدأ الشركات في الوقت نفسه بإجراء الدراسات الفنية والمالية للمشروعات السياحية التي يُمكن تنفيذها مستقبلاً في ضوء ما تُسفر عنه هذه الدراسات.
د. بشار عيسى