“الكلب”.. صحيفة فكاهية أصدرها صدقي إسماعيل عندما كان طالباً
صحيفة “الكلب” مختصة بالشعر، كانت تصدر مرتين كل شهر، أسست في خمسينيات القرن الماضي، وقد أصدرها صدقي إسماعيل، وهو من مواليد اسكندرونة 1924، صحفي وكاتب ومترجم، كان عمره 15 سنة عندما هاجر من مدينته، لأن فرنسا التي انتدبتها عصبة الأمم لحكم سورية بعد الحرب العالمية الأولى “تبرعت” بمحافظة الاسكندرونة إلى تركيا الكمالية لقاء حصة من أسهم شركة نفط العراق البريطانية، وسمي اللواء السليب، وقد درس صدقي إسماعيل في حلب وحماة ثم دمشق، حيث حصل منها على الإجازة في الآداب، قسم الفلسفة، وفي مقهى الجسر الأبيض الواقع على سفح قاسيون كان يكتب الجريدة، وطاولته تقع على فرع يزيد أحد فروع نهر بردى، حيث يدخن النرجيلة ويكتب الجريدة على ورقة من أربع صفحات ذات مربعات، يقوم بكتابتها بخط يده منذ أن كان طالباً في السنة الأولى من الجامعة، وكان يصدرها دون انتظام، ويوزعها على الأصدقاء الذين يقومون بنسخها وإعادتها إليه، وقد تفردت عن جميع الصحف والمجلات الفكاهية، فقد صدرت دون ترخيص، ودون اشتراكات، يكتب فيها كل ما يخطر على باله، وكانت تكتب بالحبر، ووعد بأنه سيطبعها على الآلة الكاتبة.
صدقي إسماعيل عمل بعد تخرّجه مدرّساً للفلسفة في ثانويات دمشق، وهو أحد أعضاء المؤتمر التأسيسي لحزب البعث العربي الاشتراكي، وكان أميناً عاماً للمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، ساهم في تأسيس اتحاد الكتّاب العرب عام 1969، وتولى رئاسته لمدة عامين، ورئس تحرير مجلة الموقف الأدبي، وهو صاحب القصة الشهيرة “الله والفقر” التي مثّلت مسلسلاً باسم “أسعد الوراق” من بطولة هاني الروماني.
ضم العدد الأول من “الكلب”: (المقال الافتتاحي، المانشيت، المقال الرئيسي، الطقس، كلمة العدد، في السياسة الدولية، في السياسة الداخلية، يوميات رئيس التحرير، صورة العدد، الإعلانات)، وسميت بـ “الكلب” لأن الكلب هو الكائن الوحيد الذي يحق له أن ينبح من دون أن يلزمه أحد بشيء، وهذا تيمناً بالمدرسة الفلسفية الإغريقية “الكلبية”، فالكلب عندهم: هو الذي يتحدى المبادئ السائدة، ويعارض الأعراف الاجتماعية، ويدعي الرغبة بالعيش طبقاً لقواعد الطبيعة، وقد تطورت صحيفة “الكلب” فصارت تضم قصائد للأصدقاء، منهم سليمان العيسى الذي أصدر، بالإضافة إلى كتابته فيها، مجلة في حلب أسماها “ابن الكلب”، وكذلك وهيب الغانم، يحيى الشهابي، ونجاة قصاب حسن، وغازي أبو عقل، وعبد السلام العجيلي.
صدرت “الكلب” في زمن تقلبات حادة سياسية في سورية: (انقلاب حسني الزعيم وما تلاه من انقلابات، ثم وحدة مصر وسورية، الانفصال، فنكسة الخامس من حزيران)، وصارت الجريدة تتضمن كتّاباً وأدباء سوريين وعرباً، من ذلك شعر للأديب اللبناني جبران خليل جبران: “أيها الليل.. أّيها الجميل كجبهة طفل.. الصافي كقلب عاشقة.. أحبك وأفتح ذراعي وقلبي.. هبني الصفاء أبداً”.
وتضمنت لوحة كتب عليها: “لوحة للأديب والفنان جبران خليل جبران.. وهي صورة لامرأة شقراء، واضح أنها طويلة، في حالة ابتهال”، وفيها لوحة للفنان لؤي كيالي: وهي تمثّل طفلاً مشرداً نائماً في الشارع، وواضح أن صدقي إسماعيل امتلأت نفسه إنسانية بهذه اللوحة.
اتخذت صحيفة “الكلب” من الشعر وسيلة للتعبير، وطوّعته ليكون وعاء لكل المواد في الصحيفة، وهذا تم باقتدار بارع، ولم يخرج عن الأوزان التقليدية، وكانت تميل إلى السخرية من كل شيء حتى من الشعر الحديث.
توفي صدقي إسماعيل في أيلول عام 1972، والجريدة ظلت تصدر من قبل أصدقائه، وقد صدر عدد خاص في ذكرى رحيل الأديب الساخر حسيب كيالي، وقد ذكر في عدد حزيران من عام 1965، عندما سرت “إشاعة” ظهور ورقة نعي تحمل اسم حسيب كيالي، فسارع صدقي إلى كتابة: “رثاء كلبي وجيز هذا نصه:
كل المآدب لا تطيب من بعد فقدك يا حسيب
أنا لا أصدق أن مثلكـمـــــــــو له أجلٌ قريــــــــب
صدرت “الكلب” مطبوعة عن مطابع الإدارة السياسية في دمشق، مصحوبة بتقديم الشاعر سليمان العيسى كوثيقة ساخرة تعبّر عن فترة زمنية من تاريخ سورية.
فيصل خرتش