ممدوح الكفري: الجمهور يميل إلى الإبهار البصري
“تنشب حرب بين الهضبتين ويشمت بهم الغرباء، ومن ثم يدرك أهل وادي الأفعال الخطأ الفادح الذي وقعوا به فيتحدوا لتلقين الغرباء درساً لن ينسوه” هذا المحور الأساسي للعمل المسرحي “وادي الأفعال” تأليف وإخراج ممدوح الكفري مدير فرقة “سيريا كيدز” على مسرح الأوبرا باللغة الإنكليزية ضمن مشروعه التعليمي التربوي الذي أطلق عليه “مسرحة التعليم”، وقد تكاملت فيه العناصر الفنية ولاسيما الخلفية السينمائية بتقنيات مبهرة وأبعاد متعددة مع الأداء المباشر لليافعين الراقصين الذين شكّلوا فريقين لوادي الأفعال “الأفعال النظامية والأفعال الشاذة” لتتصاعد الأحداث مع الفضائيين الغرباء القادمين من عالم آخر وإثارة الفتنة من قبل بعض الأشرار وصولاً إلى الحرب الأهلية.
اتخذ ممدوح الكفري دور السارد في العرض الذي اقترب من المشهدية الروائية الدائرة ضمن الهضبتين والنهر الفاصل بينهما بلغة بصرية، تناغمت مع الإضاءة والألوان المتغيرة وأنواع الموسيقا، والمفاجأة بإسدال المركبة على مسرح الأوبرا.
وبعد العرض كان لـ”البعث” هذه الوقفة مع الكاتب والمخرج ممدوح الكفري حول الهدف من عرض وادي الأفعال؟ فأجاب:
من خلال العمل المسرحي الدرامي عملتُ على إيضاح الفرق بين الفعل النظامي والفعل الشاذ عبر التصاريف، وموضع الأفعال في الجمل، وعلى صيغ التصاريف للفعل الصرف” كل – اذهب- اقطع” الأساس الذي نشتق منه الماضي والحاضر والمستقبل، وقد تطور العمل وفق الهدفين اللغوي بنسبة ثمانين بالمئة، والإنساني بنسبة عشرين بالمئة، ويركز على عدم خرق وحدة الصف والترابط وعدم السماح للغريب بإحداث شروخ بين الأهل، ومن الضروري إيضاح الهدف اللغوي وإلا يتحول العمل إلى عمل درامي بحت، ولاسيما أن هناك نسبة كبيرة من الطلاب لا يعرفون التمييز بين الفعل النظامي والفعل الشاذ.
*الإبهار البصري شد جمهور الأوبرا، فهل ترى أنه العنصر الأساسي للنجاح؟
**إذا أردنا أن نواكب التطور والجيل الصاعد لابد من الاعتماد على الإبهار البصري واستخدام تقنيات الشاشات، فجيل اليوم الذي يشاهد سوبرمان أو باتمان وغيره مدرك ومتابع للتطور البصري العالي ولم يعد يقتنع “بعدنان ولينا” على سبيل الذكر، فنحن نتعامل مع جمهور اليوم الذي يميل إلى الإبهار البصري أكثر من السماعي أو التراثي أو الإبهار الفكري والمعلوماتي، وهذا ما نلاحظه بكثير من الأفلام والفيديو كليبات واللوحات، برأيي الإبهار البصري هو سيد الموقف الذي أبهر الجمهور الذي حضر العرض ابتداء من السنوات الست إلى السبعين وأكثر، لذلك ابتعدتُ عن الديكور المتبع الذي يشكّل مشكلة بعملية التصميم والتحديد والتركيب، ولن يكون قادراً على إيضاح الحالة التي يقدمها الغرافيك لمشاعر الحزن أو الفرح أو الخوف، وديكور وادي الأفعال مرّ بحالات عدة من الخير إلى الفرح إلى الحزن إلى الشر وصولاً إلى الحرب الأهلية، ومن المستحيل أن يقدم الديكور المسرحي مهما ركزنا على الإضاءة هذه الحالات.
*شكل وادي الأفعال حالة رمزية بإسقاط غير مباشر على الواقع، باعتمادك على رمزية اللون، فإلامَ ترمي؟
**وادي الأفعال رمز مصغر للحياة البشرية للأخطاء التي تشوّه كوكبنا، ففي البداية ظهرت جماليات الألوان مع جمالية الوادي بحالة الخير والحب، ومن ثم بدأت الألوان بالتلاشي التدريجي والتغيير وصولاً إلى لون الشر، وإلى الحرب الأهلية التي نشبت بين الطرفين وهما أخوين، ومن خلالها أوصل رسالتي بأن الحرب الأهلية خاسرة للطرفين حتى المنتصر هو خاسر لأنه انتصر على أخيه “ما النصر الذي تحققه حينما تهزم أختك أو أخاك أو تهزم أمك أرضك بلدك” بالخسارة لا يوجد نصر.
والخلاف بينهما هو “تعاظم الأنا”، وهذا الخطأ الذي لم يظهر إلا حينما اقترحت الأم في إحدى الهضبتين الاتحاد وتصاعد الخلاف أيهما ستحكم أم الأفعال النظامية في الهضبة الأولى أو أم الأفعال الشاذة في الهضبة الثانية، ما أدى إلى حدوث شرخ ازداد بقدوم الفضائيين، ولاسيما بعد رفض استضافتهم، فعملوا على الانتقام بإثارة الفتنة بين الطرفين، والحرب الكارثية التي كادت تقضي على الطرفين لولا تدخل الأم في كل طرف.
*لماذا اخترت اللونين الأحمر والأصفر بإيحاءاتهما لتجسيد الشخصيتين الرئيستين الأم لكل هضبة؟
**الأحمر والأصفر من عائلة الألوان الحارة إلا أنهما مختلفان لا يشبهان بعضهما، وهما من الألوان المتضادة والقوية، وكون الفعل أقوى أركان الجملة في اللغة الإنكليزية فيحتاج إلى لون قوي يرمز إلى قوة الفعل، سواء الأفعال الشاذة أو الأفعال النظامية، وهذا المقصود وليس المعاني المرتبطة باللونين الدائرة حول الحب أو القتل أو الصداقة والمرض والغيرة وغيرها.
*هل نقول: إن الموسيقا البطل الأول بالعرض لاسيما بحالة المارش العسكري ودور النحاسيات بلوحة الاقتتال؟
**الموسيقا نجحت بالحالة التي كانت توظف من أجلها، سواء أكانت “موسيقا راقصة أو جاز أو راب أو رعب أو كلاسيك هادئ، أو مقتطفات من أغنيات عالمية”، وكذلك الموسيقا المتأججة بالحرب الأهلية، فكل نوع موسيقي كان موظفاً ليكون بطل العمل وفق الحالة الدرامية التي يتابعها المشاهد.
*المنعطف في العرض دخول المركبة إلى خشبة المسرح بإسدالها من الأعلى، ما الهدف من حضورها المسرحي رغم وجودها السينمائي بالخلفية؟
**المشاهد تابع المادة السينمائية من الفضاء من خلال الخلفية، وحتى أقربه من الفكرة بهبوط المركبة في مكان خاطئ، إذ هبطوا لحدوث عطل في مركبتهم وبقوا بمكانهم وأثاروا الفتنة ثم تصالحوا، وبعد إصلاح المركبة وجدوا الأطباق الطائرة للأشرار بانتظار عودتهم.
*لماذا اخترت الأوبرا لعرض وادي الأفعال؟
**سبق وادي الأفعال عرض ظروف وأحوال، وحروف الجر، ومملكة علامات الترقيم، وهذه رابع مسرحية تقدم على مسرح الأوبرا، قبلها قدمنا على مسارح المراكز الثقافية والمسرح المدرسي، والمسرحيات التي قُدمت في الأوبرا هي التي حظيت بالأسلوب الاحترافي الأقوى للإمكانات التي تملكها بتوظيف الأمور التقنية والفنية وغير المتوافرة على صعيد الوطن العربي إلا في أوبرا دمشق، ومن المستحيل أن يقدم العرض بهذا الشكل الاحترافي على مسرح آخر لارتفاع كواليس الأوبرا واتساعها، فإتاحة المكان الواسع في الأوبرا كان الحافز للإبداع والتطور.
ملده شويكاني