ثقافةصحيفة البعث

عوالم الطفولة الملوّنة

لعالم الطفولة الساحر مميزات تتجلى من خلال النشاطات الخلّاقة المتصلة بالسلوك الطفولي الذي يظهر من خلال اللعب والركض والخربشة والرسم، إنه عالم خاص يحياة الطفل بعيداً عن الواقع، ويستخدمه كوسيلة اتصال مع محيطه الخارجي، ويربطه بالمجتمع من حوله، ولهذا كان لابد لنا نحن الكبار أن نلتفت للاهتمام بهذا النشاط الفني بشكل عام، والرسم بشكل خاص كنتيجة حتمية لمعرفتنا بمدى أهميته، وانعكاسات ذلك على النواحي النفسية والشخصية من ناحية، وتنمية المهارات والمعلومات من ناحية أخرى، وهذا يتطلب منا معرفة واعية بالمراحل العمرية التي يمر بها الأطفال، وأسلوب التعامل مع كل مرحلة عمرية بما يحقق للطفل نمواً طبيعياً يتفق وقدرته الجسدية والعقلية والوجدانية والنفسية، لنساعده في مراحل معينة على استخدام الخط واللون والحجم التي تعتبر من أهم مقومات اللغة التشكيلية التي ستساعده لاحقاً على التمييز بين الأشكال ومسمياتها وحدودها، وبين الألوان واختلافاتها ودرجاتها.

وحين يظهر نتاج الطفل الفني ستبدأ مرحلة هامة جداً تتجلى بالنقاش والحوار حول ما تم إنجازه، وهذا الحوار سيعزز الجانب الإنساني، وسيدخل الطمأنينة إلى نفس الطفل، وسيشجعه على إعادة المحاولات مرة بعد مرة، لتأتي مرحلة عرض الأعمال (في البيت أو القاعة الصفية أو المعارض المختلفة)، والتي ستفتح الباب واسعاً لحوار بين الطفل وجمهوره، ما يساعده على تعزيز ثقته بنفسه، ويسهم بتخليصه من بعض المشاكل المتعلقة بالتواصل مع محيطه.

خلال رحلته الشيقة تلك، لابد أن يكتسب الطفل العديد من المهارات العملية كاستخدام الأدوات المختلفة الخاصة بهذا النشاط كدفاتر الرسم والألوان والفراشي متنوعة الأشكال والأحجام التي ستنعكس مهارة استخدامها على حياته اليومية، رغم معرفتنا أن ممارسة الطفل للفنون، وخاصة الرسم، يجب أن تكون وسيلة وليست غاية، وهدفها الأساسي تعديل السلوك، والمساهمة في تربية الطفل، لهذا علينا ككبار أن نعي أن الطفل يستخدم الرسم للاستمتاع والتعبير عن الذات وليس كمضيعة للوقت كما قد يعتقد بعض الأهالي الذين غالباً ما يتذمرون من أن أطفالهم يضيعون وقتهم على نشاط لا فائدة منه، وهذا خطأ فادح قد يؤدي إلى تهديد الاستقرار والاتزان في حياة الطفل، لأن الرسم بالنسبة للطفل وسيلة للتأثير والتأثر بالمحيط، وحين لا يتاح له التعبير عن انفعالاته فسيصاب بالقلق بدرجة أو بأخرى، ما يهدد الاستقرار في حياته.

إذاً هي وسيلته لتوجيه الأنظار إليه لإثبات ذاته من خلال منجزه الفني، ومحاولة منه لمشاركة الآخرين له، وتعزيز روح الجماعة، وزيادة الترابط والتآلف بينه وبين مجتمعه وبيئته، فما بين عالمه الداخلي الذي يمثّل حاجاته الملحة وبين العالم الخارجي المتمثّل بمجموعة من القوانين والأنظمة والعادات والتقاليد التي تضغط عليه محاولة إخضاعه لها، نجده يحاول المواءمة بين حاجاته الداخلية وتلك المطالب المجتمعية المحيطة به، وحين يشتد الصراع بينهما يجد الطفل بالرسم مدخلاً وملجأ يعتمده للتكيف مع محيطه الخارجي، ويتجلى ذلك من خلال الضغط على خطوطه ضغطاً شديداً وغير معتاد، أو من خلال تكبير حجوم الأشكال التي تهمه على حساب حجوم أشكال يتعمّد إهمالها، أو لعل ذلك يظهر في ألوانه القاتمة في بعض الأحيان ليعبّر عن حزنه وقلقه إزاء ما يمر به من صراع، هي محاولات ليضع أفكاره ومشاعره كلها في رسوماته، ولن نجد شكلاً ثابتاً لما يجب أن تكون عليه هذه الرسوم لأنها تخضع لعوامل كثيرة لعل من أهمها اللاشعور، وشخصية الأطفال الفريدة، ما يعني أن هناك مدخلاً آخر للجمال في رسوم الأطفال علينا ككبار أن نكون على قدر من المعرفة والاهتمام والدقة بحيث نتبيّن جوانبه المختلفة لندرك أن رسوم الأطفال هي انعكاس لنموهم، كما أنها سجل يبيّن تطورات هذا النمو، ومفاتيح ثمينة تكشف الصلة الوثيقة بين النمو الزمني والذكاء، وتُظهر النمو الوجداني لتكون رسوم الأطفال حصيلة لنمو متعدد الجوانب ما علينا سوى أن نفك شيفرتها كي نستطيع الولوج إلى عالمهم السحري، عالم الطفولة.

هيام سلمان