جائحة “الجدري العقدي” في طرطوس أسقطت ورقة توت “الزراعة” وكشفت متوالية خسائر المربين!
أسقطت جائحة “الجدري العقدي” التي اجتاحت أكثر من منطقة في ريف طرطوس ورقة التوت عن وزارة الزراعة التي لطالما كانت تختبئ خلف سياساتها وخططها الزراعية المنسوخة والمطبقة كصورة فوتوكوبي على كافة المحافظات، بغض النظر عن ظروف كل محافظة ومناخها ومساحتها وطبيعتها الجغرافية، وحتى السكانية، لتأتي جائحة “الجدري العقدي” وتودي بعشرات الأبقار خلال فترة قصيرة، رغم حديث القائمين عن أن الوباء تحت السيطرة، وضمن النسب المتعارف عليها عالمياً.
وإذا كانت هذه الجائحة قد فتحت شهية المتابع لطرح المزيد من الأسئلة على أصحاب القرار، وتحميلهم مسؤولية غياب التنسيق مع بقية الجهات المعنية، وكذلك تقصير الجهات القائمة من دوائر الإرشاد والوقاية والثروة الحيوانية، دون استثناء التنظيم الفلاحي، حيث المزارعون ومربو الدواجن ليسوا بأفضل حال في ظل الخسائر التي يتكبدونها على التوالي.
الصرخة الأولى من ريف القدموس
حين انتشرت أخبار من محافظة اللاذقية، بداية آذار الماضي، وقدوم لجان وزارية للكشف على حقيقة وحجم الإصابات، كان يتم الاكتفاء بترداد تصريحات تقول إن الوضع تحت السيطرة، ولا داعي للقلق والخوف، فما أصاب قطيع الأبقار” ليس سوى شكل من الحساسية المترافقة مع ارتفاع حراري!”، ولكن سرعان ما انتشرت حالات ما عرف لاحقاً بجائحة الجدري العقدي، بحسب ما تبيّن من خلال الكشف السريري والميداني في منطقة القدموس، حيث سجلت أول إصابة منتصف شهر نيسان، كما كشف لـ “البعث” المربي حسن جمول، مشيراً إلى أن قطيعه المكوّن من 15 رأساً بقرياً تعرّض للإصابة بمرض الجدري، ما أدى لنفوق ثماني بقرات منه بعد إعطاء اللقاح بعشرة أيام، إثر زيارة لمعاينة الحالات، وتقديم الإرشادات، وبعض مواد التعقيم.
بدورهما أشار كل من مؤيد شما وعمار صالح، من منطقة رأس الشغري، إلى أنهما يملكان أربع بقرات نفقت، ما اضطرهما لنقلها إلى وادي الهدة للتخلص منها وسط غياب أي تنسيق وتعاون من أية جهة، وأضاف صالح بأنه اضطر لبيع ما تبقى لديه “بكيرة” تعرّضت للإصابة نتيجة العدوى من أمها، وخوفه لخسارتها هي الأخرى مقابل 250 ألف ليرة.
وفي جنينة رسلان، أبلغ أحد المربين الوحدة الإرشادية عن إصابة إحدى بقراته بجدري البقر، فكان رد رئيس الوحدة الإرشادية أنه كتب تقريراً بعدم وجود أية إصابة في قرية بشمس بناء على معلومات الفني البيطري ليتبيّن لاحقاً أنه ليس طبيباً بيطرياً!.
كما أشار المربي بلال أحمد لامتلاكه ثلاث بقرات مع عجل، ولدى الكشف على القطيع تبيّن للبيطري أن الحالة هي حساسية، ليتضح بعد فترة أنها إصابة بمرض الجدري، ما أدى لنفوق كل ما لديه.
شعبة زراعة القدموس
خلال اتصال هاتفي مع الدكتور عمار رقية، في شعبة زراعة القدموس، أوضح أن الجدري وباء يصيب سورية والدول المجاورة، وأعراضه تتمثّل في حساسية، وارتفاع حراري، وكذلك بقع جلدية، حيث يتم إعطاء خافضات حرارة ومعقمات مع أودية مضادات الحساسية، بالإضافة للقيام بعمليات الرش والتعقيم، وكذلك التخلص من روث الحيوان، واللقاح هو لقاح جدري الغنم، ويحقق فعالية لأكثر من 60%، نافياً حدوث أي تأخير بالكشف، وأنه عند الاشتباه بالإصابة يتم عزل القطيع فوراً مع مراقبة الحالة، وأشار إلى أن عدد الإصابات في منطقة القدموس حوالي 40، وعدد حالات النفوق فقط 3 بقرات، وتم شفاء 12 بقرة، والبقية قيد العلاج، مضيفاً أن الجائحة تنتقل بواسطة الحشرات والبعوض والناموس.
الرأي البيطري
الدكتور عباس عباس، رئيس فرع نقابة الأطباء البيطريين في طرطوس، أوضح أنه عند نفوق البقرة المصابة يتم دفنها بطريقة فنية بطمرها بعمق مناسب وتحت إشراف فني من قبل مديرية الزراعة والفني البيطري، ولا يجوز القيام ببيع البقرة المصابة تحت أي ظرف، ومعدل الإصابة قد يصل إلى 60%، ونسبة النفوق 20%، وهي نسب طبيعية ومتعارف عليها عالمياً.
وغمز عباس من قناة الوزارة محمّلاً إياها مسؤولية نقص عدد الأطباء البيطريين في المحافظة، حيث لا يتعدى عددهم 300، وبحسب قانون مزاولة المهنة فإنه لا يجوز للمراقب الفني البيطري القيام بالمعالجة كون ذلك محصوراً بالأطباء المجازين، ولكن للأسف توجد ثقافة عامة تسمح للفني بالقيام حتى بالمعالجة الطبية، وشدد د. عباس على ضرورة معالجة مشكلة ارتفاع أسعار الأدوية البيطرية وضبطها وتأمينها بطريقة مناسبة للمربين، ملمحاً إلى أن التأخير دوماً سببه عدم التوجيه من قبل وزارة الزراعة، وعدم السماح بالتحرك على مستوى كل محافظة تحت طائلة المساءلة.
“قنبلة” رئيس اتحاد فلاحي المحافظة
مضر أسعد، رئيس اتحاد فلاحي طرطوس، أشار إلى أن ما تعرّض له مربو الأبقار ليس سوى حلقة من سلسلة خسائر المزارع في طرطوس، بدءاً من الحمضيات والبيوت المحمية والزيتون، وانتهاء بالجدري، وقال إنه خلال اجتماع اللجنة الزراعية تم لفت انتباه مدير الزراعة إلى أن ما تعرّضت له محافظة اللاذقية قد ينتقل لطرطوس، لاسيما أن الحشرة الناقلة تستطيع نقل المرض لأكثر من 60 كم، فكان رده أن الوضع تحت السيطرة، والإصابات المعلن عنها ضمن النسب المحددة، وبالتالي لا خوف!.. بعدها حدث ما حدث، حيث سجلت أولى الإصابات في القدموس، وحمّل أسعد وزارة الزراعة المسؤولية الكاملة عن هذا التقصير، كما حمّل الوحدات الإدارية المعنية مسؤولية التقصير بعمليات الرش، وكذلك مديرية الصحة نظراً لمخاطر انتشار هذا الوباء على الصحة العامة، وأشار أسعد إلى وجود حالات من الفوضى والاستهتار من قبل القائمين على عمل بعض الوحدات الإرشادية، وكذلك التقصير الحاصل بالنسبة لبعض الأطباء البيطريين الذين تحولوا إلى متعاونين مع بعض تجار اللحوم للتسويق والتدليل لبعض الإصابات قبل حدوث النفوق بغية بيعها، مبرئاً الاتحاد من المسؤولية بالقول: إن أولى الصرخات انطلقت من اتحاد الفلاحين، وتم توجيه عدة كتب رسمية لكافة الجهات، كما تم إجراء لقاءات واتصالات، إلا أن التعاون والتنسيق لم يكونا بالمستوى المطلوب، وفي وقتهما، وعند السؤال عن إحصائية دقيقة للإصابات، قال إنه لا توجد إحصائية دقيقة نظراً لوجود معايير تضعها الزراعة، ومنها عدم لحظ حالات نفوق أو إصابات تؤدي للوفاة، وحجة ذلك أن يكون المربي قد قام ببيع البقرة المصابة، وبالتالي لا يمكن الاعتداد بحالة البقرة فيما إذا نفقت أو تم ذبحها وهي بحالة الإصابة، وتساءل أسعد: هل من المنطق إعطاء الإبرة ذاتها لأكثر من بقرة مصابة؟!.
واعترف أسعد بوجود تقصير بعمل بعض الجمعيات والروابط الفلاحية، وهي محل إعادة تقييم، وإن كانت الحجة بكونها منتخبة!!.
مشاكل طرطوس الزراعية
نقاش “البعث” الطويل لم ينته عند جائحة الجدري البقري، رغم وجع كل المربين، والخسارة الثقيلة للثروة الحيوانية على امتداد المحافظة، حيث تدفع طرطوس ضريبة التخطيط المركزي، وعدم التنسيق مع الإدارات المحلية، ما يؤدي لمضاعفة خسائر الفلاح، وتحمّله تكاليف باهظة جداً، حيث بلغ سعر طن العلف أكثر من مليون ليرة، مع وجود 32000 رأس بقري، وأكثر من 2800 مدجنة مرخصة وغير مرخصة، و12 مفقساً، و40 مدجنة أمهات بيض مائدة وفروج، كما أن كلفة إنتاج كيلوغرام الفروج 2500 ليرة، ويباع ما بين 1300 -1700 ليرة، ما أدى لخروج قسم كبير من المربين، في حين يذهب الربح الفاحش لتجار الأعلاف من المستوردين وأصحاب المعامل الكبار، وكذلك الأمر بالنسبة للبيوت المحمية، حيث يوجد أكثر من 135 ألف بيت محمي لشتى المحاصيل، ويعاني المزارع من كوارث طبيعية خارجة عن السيطرة.
وبحسب رئيس اتحاد فلاحي طرطوس، فإن الاشتراطات التعجيزية لصندوق التخفيف من الكوارث تجعل الكثير من المزارعين خارج إمكانية الاستفادة منه، حيث تم تحديد التعديل بما نسبته من 5 -20% من قيمة الإنتاج، على أن تكون المساحة المتضررة ضمن الوحدة الإدارية أكثر من 5% من المساحة الإجمالية، إضافة لضرورة أن يكون مرخصاً ومنظماً في الوحدات الإرشادية، وغير ذلك من الشروط التعجيزية، كما هو الحال في سهل عكار، حيث مازالت العقارات تابعة للأوقاف اللبنانية، أو على الشيوع، إضافة لارتفاع مستلزمات الإنتاج من رقائق النايلون والبذور والأسمدة، وقلة اليد العاملة والفلين وأجور الشحن، وغيرها الكثير، وهناك مشكلة التسويق وعدم وجود معامل للتصنيع، وبالنسبة لموسم الحمضيات، كانت للاتحاد تجربة يتيمة لم يكتب لها النجاح بعد زيارة وفد رسمي من المحافظة برئاسة المحافظ لجزيرة القرم، وتوقيع اتفاقية لتصدير الحمضيات، فقد تم إرسال شحنة حمضيات بكمية 40 طناً، تحتوي على أربعة أصناف من الحامض والماوردي وبلنسيا وكريفون، وبسبب رحلة السفينة الطويلة، حيث استغرقت 32 يوماً في البحر، تعرّضت الشركة الروسية الشاحنة لخسارة كبيرة، وتوقفت المحاولة!.
وفي موضوع البطاطا، لفت أسعد إلى أنه ونتيجة مطالبة الاتحاد بالعمل والتنسيق مع فروع الاتحاد في بعض المحافظات، فقد تم تسويق كامل الإنتاج إلى بعض المحافظات، ما أدى لتخفيف الخسائر عن المزارعين، وفي موضوع زراعة التبغ وإنتاجه فإن المزارع يعاني من تدني السعر، ورغم كونه موسماً اجتماعياً يحتاج لجهد على مدار العام، إلا أن ما تقدمه الحكومة من دعم مالي خجول للغاية، فقد تم تحديد سعر الكيلوغرام الواحد لصنف شك البنات المحلي فقط بـ 1800 ليرة، وبعد التحفظ تمت زيادة السعر ليصبح 2300 ليرة فقط، وهو دون حدود التكلفة، الأمر الذي سيؤدي لهجر هذه الزراعة التي تضمن تشغيل كافة الشرائح، بما فيها ذوو الاحتياجات الخاصة، وبالتأكيد ليس موسم الزيتون بأفضل حال، لاسيما بعد الارتفاع الكبير بأجور اليد العاملة، وعدم توفر الأسمدة بالأسعار المناسبة، ونظام المعاومة السائد، كما أن الحديث عن الارتفاع الطارئ في سعر زيت الزيتون مؤخراً سببه الارتفاع في أسعار الزيت النباتي، حيث وصل سعر اللتر لأكثر من 3000 ليرة، وقلة العرض ضمن الأسواق رغم وجود تصدير محدود، حيث بلغ مبيع سعر “بيدون” زيت الزيتون أكثر من 60 ألفاً، بحسب جودته، والمحافظة المنتجة.
لؤي تفاحة